فتحًا ونصرًا، واستمرارًا على قهر الأعداء وعزًا، فللحاكم النظر في المصلحة الشرعية في أمر من وقع في الأسر.
قال الشافعي: (الإمام مُخَيَّرٌ بين قتله أو المن عليه، أو مفاداته أو استرقاقه أيضًا). وإليه ذهب مالك والثوري والأوزاعي وغيرهم من التابعين، وهو مذهب ابن عمر وابن عباس وفعل الخلفاء الراشدين.
وأصل ذلك من هدي وسيرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في مواقف كثيرة، منها:
الموقف الأول: إطلاقه ثُمامة بن أُثال الحنفي.
ففي الصحيحين -واللفظ لمسلم- عن أبي هريرة قال: [بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خَيْلًا قِبلَ نَجْدٍ، فجاءت بِرَجُلٍ مِنْ بني حَنيفةَ يُقالُ له: ثُمَامَةُ بن أُثَال، سَيِّدُ أهل اليمامة، فرَبطوه بسارِيَةٍ من سَواري المسجد، فخرج إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: ماذا عِندك يا ثُمامة؟ ! فقال: عندي يا محمدُ! خَيْرٌ، إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذا دَم، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكِرٍ، وإنْ كنتَ تريدُ المال فَسَلْ تُعْطَ منه ما شئت، فتركه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى كان بَعْدَ الغَدِ، فقال: ما عِندك يا ثمامَةُ؟ ! قال: ما قُلْتُ لك: إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكر، وإن تَقْتُل تَقْتُل ذا دمٍ، وإن كنت تريدُ المال فسل تُعْطَ منه ما شئت؟ فتركه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى كان من الغَدِ، فقال: ماذا عِندك يا ثمامَةُ؟ ! فقال: عِندي ما قُلْتُ لكَ: إن تُنْعِمْ تُنْعِم على شاكرِ، وإن تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذا دَمٍ، وإن كنت تريد المال فَسَلْ تُعْطَ منه ما شئت، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أطْلِقوا ثُمامة". فانطلق إلى نَخْلٍ قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يا محمدُ! واللَّه! ما كان على الأرض وَجْهٌ أبغضَ إليَّ مِنْ وجهك، فقد أصبح وجْهُكَ أحَبَّ الوجوه كُلِّها إلي، واللَّه! ما كان مِنْ دِينٍ أبغَضَ إليَّ من دينك، فأصبح دينُك أحبَّ الدين كلِّه إليَّ...] الحديث (١).
الموقف الثاني: قتله -صلى اللَّه عليه وسلم- النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط يوم بدر بعد أسرهما. فقد كان النضر بن الحارث حامل لواء المشركين يوم بدر، وكان من أشد الناس إيذاء لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة، ومن أشد الناس كيدًا للإسلام والمسلمين، ومن أكابر المجرمين في ذلك الزمان، فتوقف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في طريق عودته من معركة بدر في