الصفراء وأمر بالنضر بن الحارث فأخرج من بين الأسرى، ثم أمر عليًا رضي اللَّه عنه فتقدم وضرب عنقه.
ثم مضى عليه الصلاة والسلام، حتى إذا بلغ عرق الظبية توقف وأمر بعقبة بن أبي مُعيط فَسُحِبَ من بين الأسرى، -وهو الذي انبعث ليلقي سلاة الشاة على رأس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم كان يصلي عند الكعبة، وانبعث مرة أخرى فحاول خنق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يصلي فجاء أبو بكر وهو يبكي فرده عنه، وانبعث مرة ثالثة بأمر أبي بن خلف ليشتم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويبصق في وجهه بمجلسه -فأمر النبي عاصم بن ثابت الأنصاري فضرب عنقه.
وفي سنن أبي داود بسند جيد عن مسروق: [عن عبد اللَّه بن مسعود -أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما أراد قتل عقبة بن أبي معيط قال: من للصبية؟ قال: النار] (١).
الموقف الثالث: إطلاقه لثمانين من رجال قريش حاولوا الغدر أثناء كتابته عقد الحديبية.
ففي صحيح مسلم عن أنس قال: [لما كان يوم الحديبية هبط على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه ثمانون رجلًا من أهل مكة بالسلاح، من قِبَل جبل التنعيم، يريدون غرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعا عليهم فأخذوا: قال عفان: فعفا عنهم، ونزلت هذه الآية: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ٢٤]] (٢).
ومواقف كثيرة أخرى، كأخذه -صلى اللَّه عليه وسلم- من سلمة بن الأكوع جارية فدى بها أناسًا من المسلمين، ومنّه -عليه الصلاة والسلام- على سَبْي هوازن، وغير ذلك من المواقف التي حفلت بها سيرته العطرة ومنهاجه في السياسة الشرعية.
وقوله: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾. قال النسفي: (أثقالها وآلاتها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع، وقيل: أوزارها آثامها، يعني حتى يترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم بأن يسلموا، وحتى لا يخلو من أن يتعلق بالضرب والشد أو بالمن والفداء، فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رحمه اللَّه أنهم لا يزالون على ذلك أبدًا إلى أن لا يكون حرب مع المشركين وذلك إذا لم يبق لهم شوكة).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٨٠٨) - كتاب الجهاد والسير. وانظر تفصيل ذلك في كتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة (٢/ ١٠٠٨).