القتال، وعلى الإسلام، وعلى الصراط. كما قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: ٤٠]. فإن الجزاء من جنس العمل: الصبر على الجهاد وإقامة الدين، يعقبه النصر والتأييد والتمكين.
أخرج الخطيب في "التاريخ" بسند رجاله ثقات عن أنس مرفوعًا: [النَّصْرُ مع الصَّبْر، والفَرَجُ مع الكَرْبِ، وإنَّ مع العُسْر يُسرًا، وإنَّ مع العُسْرِ يُسْرًا] (١).
وعن قتادة: (﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ لأنه حق على اللَّه أن يعطي من سأله، وينصر من نصره).
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ﴾. قال ابن زيد: (شقاء لهم).
وقوله: ﴿وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾. أي: أحبطها وأبطلها. قال ابن جرير: (جعل أعمالهم معمولة على غير هدى ولا استقامة، لأنها عملت في طاعة الشيطان لا في طاعة الرحمن).
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [تَعِسَ عبد الدينار والدرهم والقَطيفة والخَميصة، إنْ أُعطي رضي، وإن لم يُعْطَ لم يَرْضَ] (٢). وفي رواية: [تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش].
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾. أي: هذا الإضلال وذلك الإتعاس إنما كان مقابل كراهيتهم لما أنزل اللَّه من الكتب والشرائع، وتعظيمهم للأوثان والطواغيت والشهوات، فقابلهم اللَّه بإبطال وإحباط جميع الأعمال. قال القاسمي: (﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ أي من الحق، وشايعوا ما ألفوه من الباطل. ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ كعبادتهم لأوثانهم، حيث لم تنفعهم، بل أوبقهم بها فأصلاهم سعيرًا).
قلت: بل إن جميع أعمال الكافر تحبط يوم القيامة حتى ما كان منها في وجوه الخيرات، ما دام لم يكن يريدُ تعظيم أمر اللَّه وإقامته.
ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنَّ اللَّه لا يَظْلم مؤمنًا حسنةً، يُعْطِي بها في الدنيا ويَجْزي بها في الآخرة، وأمّا الكافر فَيُطْعَمُ بحسنات

(١) حديث صحيح. أخرجه الخطيب في "التاريخ" (١٠/ ٢٨٧)، والديلمي (٤/ ١١١ - ١١٢)، وانظر مسند أحمد (١/ ٣٠٧)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٣٨٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٨٨٦)، (٢٨٨٧) - كتاب الجهاد والسير، وله تتمة.


الصفحة التالية
Icon