ما عمِلَ بها للَّه في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يجزى بها] (١).
وقوله: "ما عمل بها للَّه في الدنيا" -أي ما كان يظهر أنها من أعمال البر والمعروف والخير، ولكنه مع كفره باللَّه وكراهيته لشرعه وأمره لم تنفعه إلا في الدنيا، فقد حَمَلَهُ على فِعْلها دوافع الرياسة والظهور أو العطف والإنسانية، فجازاه اللَّه بمثل نِيَّتِهِ من زينة هذه الحياة الفانية، وأما الآخرة فهي عند اللَّه للمؤمنين المخبتين.
١٠ - ١٣. قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (١٠) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (١٣)﴾.
في هذه الآيات: تنبيهُ الكافرين لرؤية مصير أمثالهم عبر الزمان، فاللَّه تعالى عدو للكافرين وهو ولي أهل الإيمان، وقد وعدهم الحياة الرغدة الناعمة في الجنان، وأما الكافرون فيتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، ومصيرهم في الدنيا إلى الخزي والخذلان، وفي الآخرة إلى العذاب في النيران.
فقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾. وعيد وتهديد. أي: أولم يسر هؤلاء المنكرون المكذبون في الأرض سفرًا فيروا ما نزل بمن مضى ممن كفر، فكانوا يسافرون إلى الشام فيرون نقمة اللَّه بأهل حجر ثمود، ويسافرون إلى اليمن فيبصرون ما حلّ بسيأ، فإنهم إن لم يتعظوا فالدمار قادم، شأن من سبقهم، فلهم أمثالها.
وقوله: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾. قال مجاهد: (مثل ما دُمرت به القرون الأولى وعيد من اللَّه لهم).
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾. أي: ذلك بأن اللَّه