فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إن في الجنة مئة درجة أعدّها اللَّه عز وجل للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم اللَّه فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تتفجّر أنهار الجنة] (١).
وله شاهد عند الترمذي والحاكم بسند صحيح لشواهده، عن عبادة بن الصامت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [الجنة مئة درجة، ما بين كُلِّ دَرَجَتيْن مسيرة مئة عام، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تخرح الأنهار الأربعة، والعرش من فوقها، وإذا سألتم اللَّه تبارك وتعالى، فاسألوه الفردوس] (٢).
وقوله: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾. ﴿مِن﴾ زائدة للتأكيد، والمعنى: وجميع أنواع وأصناف وألوان الثمار والفاكهة متوفرة لضيافتهم وهي رَهْنُ إشارتهم.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المرسلات: ٤١ - ٤٣].
٢ - وقال تعالى: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ [الدخان: ٥٥].
٣ - وقال تعالى: ﴿فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾ [الرحمن: ٥٢].
قال ابن القيم رحمه اللَّه: (تضمنت النصوص أن لهم فيها الخبز واللحم والفاكهة والحلوى وأنواع الأشربة من الماء واللبن والخمر وليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء، وأما المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر).
وقوله: ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾. نور على نور، وسرور فوق سرور، فإن رضى الرحمن أعلى هذه اللذات، وأهنؤها على القلب والنفس والمشاعر. كما قال تعالى: ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: ٢١]. وكقوله جل ثناؤه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
(٢) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (٣/ ٣٢٦)، والحاكم (١/ ٨٠)، وأحمد (٥/ ٣١٦)، وكذلك (٥/ ٣٢١)، والسياق له. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٩٢٢).