وعن قتادة: (﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾. يقول: طواعية اللَّه ورسوله، وقول معروف عند حقائق الأمور خير لهم).
قال ابن كثير: (ثم قال مشجعًا ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ (٢٠) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾، أي: وكان الأولى بهم أن يَسمعوا ويُطيعوا، أي: في الحالة الراهنة، ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ﴾، أي: جَدَّ الحال، وحضر القتال، ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ﴾، أي: أخلصُوا له النية، ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾).
وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾. قال قتادة: (يقول: فهل عسيتم كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب اللَّه، ألم يسفكوا الدم الحرام، وقطّعوا الأرحام، وعَصَوا الرحمن).
والمقصود: فهل عسيتم بإدباركم ونكولكم عن الجهاد، والصبر على مجالدة الأعداء، لحفظ الدين وحراسته في الأرض، أن تعودوا إلى ما كنتم عليه أيام الجاهلية من سفك الدماء، وقطع الأرحام، والإفساد في البلاد، وظلم العباد.
وفي السنة الصحيحة روائع من الأحاديث في آفاق ذلك:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [خَلَقَ اللَّه الخلقَ، فلما فرَغَ منه قامت الرحم فأخذت بحقوِ الرحمن -عزَّ وجلَّ-، فقال: مَه! فقالت: هذا مقامُ العائذِ بكَ من القطيعة، فقال تعالى: ألا ترضينَ أن أصِلَ من وَصَلَكِ، وأقطعَ من قَطَعَكِ؟ قالت: بلى. قال: فذاك. قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾] (١).
الحديث الثاني: أخرج أبو داود والترمذي وأحمد بسند صحيح عن عبد اللَّه بن عمرو -يبلغُ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [الراحمون يَرحمهم الرحمن، ارحمُوا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء، والرّحِمُ شُجْنَةٌ من الرحمن، مَنْ وصلها وصلتُه، ومن قَطَعها بَتَتُّه] (٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذي (١٩٢٤)، وأحمد (٢/ ١٦٠).