عَظِيمًا (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (٧)}.
في هذه الآيات: امتنانُ اللَّه تعالى بإنزاله الطمأنينة على قلوب المؤمنين، وبوعدهم على صدقهم مبايعة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جنات النعيم. والوعيد الشديد على المنافقين والمشركين وتأكيد صليهم الجحيم.
فقوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾. قال ابن عباس: (السكينة: الرحمة). وفي رواية عنه: (﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ﴾ أي: جعل الطمأنينة). وقال قتادة: (الوقار في قلوب المؤمنين). والمقصود: أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذين استجابوا للَّه ولرسوله وصدقوا ما عاهدوا عليه، وبايعوا يوم الحديبية منقادين لحكم اللَّه ورسوله.
وقوله: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾. دليل على زيادة الإيمان وأنه غير ثابت، وقد استدل بهذه الآية الإمام البخاري رحمه اللَّه على أن الإيمان يزيد وينقص، وروى في الباب عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عديِّ بن عديِّ: (إن للإيمان فرائضَ وشرائعَ وحدودًا وسُننًا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبيّنها لكم حتى تعملوا بها، وإنْ أمُت فما أنا على صحبتكم بحريص) (١).
والمقصود: لما انقاد المؤمنون الأوائل لحكم اللَّه ورسوله أنزل في قلوبهم الطمأنينة ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾. قال الربيع بن أنس: (خشيةً مع خشيتهم). وقال الضحاك: (يقينًا مع يقينهم).
وقوله: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. أي: أنصار ينتقم بهم ممن يشاء من أعدائه. قال ابن عباس: (يريد الملائكة والجن والشياطين والإنس).
قال ابن كثير: ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، أي: ولو أرسلَ عليهم مَلَكًا واحدًا لأباد خَضْراءهم، ولكنه تعالى شَرَعَ لعباده المؤمنين الجهادَ والقتالَ، لما له في ذلك

(١) ذكره البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه: "باب: قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بني الإسلام على خمس. وهو قول وفعل، ويزيد وينقص". انظر مختصر صحيح البخاري ص (٦ - ٧) - الألباني.


الصفحة التالية
Icon