من الحكمة البالغة والحجَّةِ القاطعة، والبراهين الدامغة، ولهذا قال جلت عظمته: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾).
وقوله: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾.
أخرج الإمام أحمد من حديث أنس -في نزول سورة الفتح مرجعه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الحديبية وأصحابه يخالطون الحزن والكآبة- قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [لقد أنزلت عليَّ آيتان هما أحبّ إليّ من الدنيا جميعًا. قال: فلما تلاهما قال رجل: هنيئًا مريئًا يا رسول اللَّه قد بيّن لك ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل اللَّه عز وجل الآية التي بعدها ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾] (١).
ورواه البخاري عن أنس أيضًا: [﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ قال: الحديبيةُ، قال أصحابه: هنيئًا مريئًا فما لنا؟ فأنزل اللَّه ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾] (٢).
وقوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
خلود في الجنان بعد تكفير الذنوب والسيئات، هو بحق أعظم الخيرات والمسرّات.
وقوله: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾.
قال القرطبي: (﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ أي: بإيصال الهموم إليهم بسبب عُلُوّ كلمة المسلمين، وبأن يسلط النبيّ عليه السلام قَتْلًا وأَسْرًا واسترقاقًا. ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ يعني ظنهم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يرجع إلى المدينة، ولا أحد من أصحابه حين خرج إلى الحديبية، وأن المشركين يستأصلونهم. كما قال: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾ [الفتح: ١٢]).
وقوله: ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾. أي: بالتعذيب في الدنيا بمختلف أنواع الوقائع، كالقتل والسبي والأسْر والإهانة والإذلال، وفي الآخرة بعذاب النار.
وقوله: ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ﴾. أي: وسخط اللَّه عليهم فلا سبيل إلى سعادة

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٣/ ١٢٢)، (٣/ ١٣٤)، (٣/ ١٥٣)، وانظر صحيح مسلم (١٧٨٦).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤١٧٢) - كتاب المغازي، وانظر كذلك (٤٨٣٤).


الصفحة التالية
Icon