ويعذب من يشاء وهو الغفور للمؤمنين الرحيم بهم.
فقوله: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾.
قال مجاهد: (أعراب المدينة جهينة ومزينة، استتبعهم لخروجه إلى مكة، قالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاؤوه، فقتلوا أصحابه فنقاتِلهم! فاعتلوا بالشغل) - وهو حسن مرسل.
فلقد استنفر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أثناء خروجه الأعراب الضاربين حول المدينة كمزينة وجهينة ونحوهم من أهل البوادي للخروج معه، فاعتذروا إليه بهذه الطريقة الهزيلة التي سجَّلها القرآن في حقهم وعابها عليهم، إذ كان الدافع لذلك جبنًا وجدوه في صدورهم، لقد رأوا فيها عمرة محفوفة بالمخاطر.
لقد ظنوا أن الفرار أجدى، وأن الاعتذار إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سهل، فيما لو قُدِّر وعاد منتصرًا، ففضحهم اللَّه وذمَّهم في قرآن يُتلى.
وقوله: ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا﴾.
قال ابن جرير: (يقول: قل لهؤلاء الأعراب الذين يسألونك أن تستغفر لهم لِتَخَلُّفِهِم عنك: إن أنا استغفرت لكم أيها القوم، ثم أراد اللَّه هلاككم أو هلاك أموالكم وأهليكم، أو أراد بكم نفعًا بتثميره أموالكم وإصلاحه لكم أهليكم، فمن ذا الذي يقدر على دفع ما أراد بكم من خير أو شر واللَّه لا يعازّه أحد، ولا يغالبه أحد).
والقراءة المشهورة ﴿ضَرًّا﴾ بالفتح، وهي خلاف النفع، وهي قراءة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين، في حين قرأها بالضم ﴿ضَرًّا﴾ عامة قراء الكوفة، وهي بمعنى البؤس والسَّقم.
وقوله: ﴿بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ تهديد ووعيد، أي: فيجازيكم عليه.
وقوله: ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ﴾. قال قتادة: (ظنوا بنبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك، وأنه سيهلكون، فذلك الذي خلفهم عن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-).
قال القرطبي: (﴿وَزُيِّنَ ذَلِكَ﴾ أي النفاق. ﴿فِي قُلُوبِكُمْ﴾ وهذا التزيين من


الصفحة التالية
Icon