١٨ - ١٩. قوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (١٨) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٩)﴾.
في هذه الآيات: لقد علم اللَّه في نفوس المؤمنين من أصحاب الشجرة صدق قلوبهم ونياتهم، وإخلاصهم في الوفاء بما ذهبوا إليه وتعاقدوا معك عليه يا محمد، فأمدّهم بتثبيت من عنده، وملأ قلوبهم صبرًا وطمأنينة، ثم أثابهم بصدق عزائمهم ونياتهم فتحًا في القريب العاجل، عوضهم به سبحانه مما رجوا الظفر به من غنائم أهل مكة بقتالهم أهلها، فأنزل سبحانه فتحًا قريبًا أتحف به حياتهم وأظهر به شوكتهم وبسط به نفوذهم في الأرض، وسمعت بهم فيه ملوك الدنيا من فارس والروم، ألا وهو الإجهاز على يهود المكر في خيبر.
أخرج الترمذي بسند صحيح عن جابر بن عبد اللَّه: [في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ قال جابر: بايعنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت] (١).
وعن قتادة: (﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾ أي: الصبر والوقار).
قال ابن جرير: (فأنزل الطمأنينة، والثبات على ما هم عليه من دينهم وحُسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم اللَّه له).
وقوله: ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾. أي: ثم أثابهم سبحانه بصدق عزائمهم ونياتهم، فتحًا قريبًا يفرحون به ويأنسون بآفاقه. قال قتادة: (بلغني أنها خيبر). قال ابن كثير: (﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾: وهو ما أجرى اللَّه على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم. وما حصَلَ بذلك من الخير العام والمستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حَصَل لهم من العزِّ والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة. ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمً﴾).