الثقة باللَّه الذي يحفظكم ويختار لكم ما فيه مصلحة دنياكم وآخرتكم، وإن كرهتموه في الظاهر فإنه: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦].
وقوله تعالى: ﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾.
أي: ونصر آخر وفتح جديد وغنيمة أخرى لم تكونوا تقدرون عليها، ﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ بأن أعدّها لكم وحفظها لوقتها فهو على كل شيء قدير. قال القرطبي: (ومعنى: ﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾: أي أعدّها لكم، فهي كالشيء الذي قد أحيط به من جوانبه، فهو محصور لا يفوت، فأنتم وإن لم تقدروا عليها في الحال فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم. وقيل: ﴿أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ على أنها ستكون لكم، كما قال: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: ١٢]. وقيل: حفظها اللَّه عليكم، ليكون فتحها لكم).
وقد اختلف في تحديد هذه الغنيمة على أقوال:
قال ابن عباس: (فارس والروم). وقال مجاهد: (ما فتحوا حتى اليوم). وفي رواية: (هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة). وقال قتادة: (كنا نحدث أنها مكة) -واختاره ابن جرير- واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾.
بشرى من اللَّه سبحانه لعباده المؤمنين، بأنهم أصبحوا في حالة شوكة وتمكين، فلو قاتلكم بعد هذا الفتح والنصر المعجل الكفار لولوكم أعجازهم في الحرب مدبرين، فعل المنهزم الذليل، ثم لا يجدون من يواليهم على حربكم وينصرهم عليكم.
وقوله تعالى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾.
أي: هذه سنّته تعالى التي مضت في الفريقين: أهل الإيمان وأهل الكفر، فإنه ما تقابل الكفر والإيمان في مشهد إلا زلزل اللَّه الكافرين ونصر المؤمنين، كما كان ذلك يوم بدر حين رضي سبحانه عن فئة الإيمان المستضعفين، فَسَلّطهم على رقاب المشركين، وأعلى بهم راية الحق والدين.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾.
امتنان من اللَّه سبحانه على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة رضوان اللَّه عليهم أن صرف أيدي المشركين وغدرهم وأذاهم عنهم فلم ينالوا منهم، وكذلك صرف أيدي المؤمنين عن