المشركين عند المسجد الحرام فلم يحصل قتال، بل صان الفريقين لما فيه خير المسلمين وجميل عاقبتهم.
وقد جاء في أسباب نزول هذه الآيات أحاديث كثيرة:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، عن أنس قال: [لما كان يوم الحديبية هبط على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه ثمانون رجلًا من أهل مكة بالسلاح، من قِبَل جبل التنعيم، يريدون غرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعا عليهم فأخذوا. قال عفان: فعفا عنهم ونزلت هذه الآية: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾] (١).
فقد تخلل كتابة العقد -يوم الحديبية- بعض الغدر من قريش وبعض الطيش من شبابها، إلا أن الصحابة رضوان اللَّه عليهم تمكنوا من الإحاطة بهم بسرعة، وأحضروهم بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أذلاء صاغرين، فهؤلاء كانوا ثمانين رجلًا أرادوا أخذ معسكر المسلمين غرّة، فَأُسروا وجيء بهم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعفا عنهم وأذن بإطلاقهم.
ثم خرج هجوم آخر مفاجئ من ثلة من شباب قريش أثناء الحوار الذي دار بين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسهيل بن عمرو، فما رأى المسلمون إلا وثلاثون شابًا يَنْقَضُون عليهم بأسلحتهم، فحرك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شفتيه بدعاء سريع إلى اللَّه، فأخذ اللَّه بأسماعهم، ووثب الصحابة فأسروهم، وتفصيل ذلك في الحديث الآتي:
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح، عن عبد اللَّه بن مغفل المزني رضي اللَّه عنه قال: [كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أصل الشجرة التي قال اللَّه تعالى في القرآن، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، وسهيل بن عمرو بين يديه، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعلي رضي اللَّه عنه: اكتب باسم اللَّه الرحمن الرحيم، فأخذ سهيل بيده وقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف. فقال: اكتب باسمك اللهم -وكتب- هذا ما صالح عليه محمد رسول اللَّه أهل مكة. فأمسك سهيل بن عمرو بيده وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيتنا ما نعرف. فقال: اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللَّه. قال: فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابًا عليهم السلاح، فثاروا في

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (١٨٠٨) - كتاب الجهاد والسير. قصة الحديبية.


الصفحة التالية
Icon