وجوهنا، فدعا عليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذ اللَّه تعالى بأسماعهم، فقمنا إليهم فأخذناهم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل جئتم في عهد أحد؟ أو هل جعل لكم أحد أمانًا؟ فقالوا: لا، فخلّى سبيلهم، فأنزل اللَّه تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾] (١).
ثم حصل غدر ثالث من المشركين بعد إبرام الصلح وقد اختلط المسلمون بالمشركين وجلسوا معًا تحت الشجر في بطن الوادي.
فعن قتادة قال: (ذكر لنا أن رجلًا يقال له ابن زنيم اطلع على الثنية من الحديبية، فرماه المشركون بسهم فقتلوه، فبعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خيلًا فأتوا باثني عشر من الكفار فقال لهم: هل لكم علي عهد؟ هل لكم عليّ ذمة؟ قالوا: لا، فأرسلهم، وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾).
وهذا الذي ذكره قتادة يشهد له الحديث الآتي:
الحديث الثالث: روى مسلم في صحيحه عن سلمة قال: [ثم إنَّ المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعف، واصطلحنا. قال: وكنت تبيعًا لطلحة بن عبيد اللَّه أسقي فرسه، وأحُسُّهُ وأخدِمُهُ وآكل من طعامه، وتركتُ أهلي ومالي مهاجرًا إلى اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرةً فكسحت شوكها فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأبغضتُهُم فتحولت إلى شجرة أخرى وعلقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا للمهاجرين! قُتِلَ ابن زُنَيم. قال: فاخترطت سيفي ثم شَدَدْتُ على أولئك الأربعة وهم رقود، فأخذتُ سلاحهم فجعلته ضِغثًا في يدي، قال: ثم قلت: والذي كرَّمَ وجْهَ محمد لا يَرْفَعُ أحد منكم رأسه إلا ضَرَبْتُ الذي فيه عيناه. قال: ثم جِئتُ بهم أسوقهم إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: وجاء عمّي عامِرٌ برجل من العَبَلاتِ يُقال له مِكْرَزٌ يقوده إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على فرس مُجَفَّفٍ في سبعين من المشركين، فنظر إليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: دعوهم يكن لهم بَدْءُ الفجور وثناه، فعفا عنهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنزل اللَّه: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ الآية] (٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه -حديث رقم- (١٨٠٧) - كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد. وأخرجه أحمد في المسند (٤/ ٥٢ - ٥٤).