كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٢٦)}.
في هذه الآيات: إثبات كفر طغاة مكة الذين صدوا المؤمنين عن المسجد الحرام بقصد العمرة وقد ساقوا الهدي، وإثبات أن الجهاد لا يكون إلا عند تميّز الصفوف، فقد منع اللَّه نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من دخول مكة عنوة دخول الفاتحين، لوجود مؤمنين مستضعفين، الأمر الذي قد ينالهم به الأذى لو فعلوا ذلك. وامتنان اللَّه تعالى على رسوله وعلى المؤمنين إنزاله السكينة على قلوبهم، وحمايتهم بكلمة التقوى وهو أعلم بأحوالهم وما يصلح أمرهم.
فعن قتادة: (﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا﴾. أي: محبوسًا).
وقوله: ﴿أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ أي: وصدوا الهدي وكان سبعين بدنة عن وصوله إلى محلّه ليذبح ويطعم منه فقراء مكة. قال النسفي: (﴿مَحِلَّهُ﴾ مكانه الذي يحل فيه نحره، أي يجب، وهذا دليل على أن المحصر محل هديه الحرم، والمراد المحل المعهود وهو منى). وقال الشافعي: (الحرم). قلت: ولا شك أن مكة كلها منحر، وفجاجها منحر، ولكن اللَّه بفضله جعل ذلك الموضع -حين أحصر نبيّه والمؤمنون- محلًا.
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد اللَّه قال: [نَحَرْنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام الحديبية البَدَنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة] (١).
وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال: [اشتركنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحج والعمرة، كُلُّ سَبْعَةٍ في بَدَنَةٍ، فقال رجل لجابرٍ: أَيُشْتَرَكُ في البَدَنَةِ ما يُشْتَرَكُ في الجَزُور؟ قال: ما هي إلا مِنَ البُدن].
قال: وحضر جابر الحديبية قال: [نَحَرْنا يومئذ سَبْعين بَدَنَةً، اشتركْنا كُلُّ سَبْعةِ في بَدَنَةٍ] (٢).

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٣١٨) - كتاب الحج. ومالك (٢/ ٤٨٦)، وأخرجه أبو داود (٢٨٠٩)، والترمذي (٩٠٤)، وابن ماجة (٣١٣٢)، وابن حبان (٤٠٠٦).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (١٣١٨) ح (٣٣٣ - ٣٣٤)، من حديث جابر.


الصفحة التالية
Icon