وفي صحيح البخاري عن المِسْور رضي اللَّه عنه: [أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَحَر قبل أن يَحْلِقَ وأمر أصحابه بذلك] (١).
وفيه عن كَعْب بن عُجْرَةَ قال: [وقف عليَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحديبية ورأسي يَتَهافَتُ قَمْلًا، فقال: يُوْذيكَ هَوَامُّكَ؟ قلتُ: نَعَمْ، قال: فاحلِقْ رأسَكَ. قال: فِيَّ نَزَلتْ هذه الآية: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] إلى آخرها. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: صُمْ ثلاثةَ أيام، أو تَصَدَّق بِفرَقٍ بَيْن سِتَّةٍ، أو نُسُكٍ مما تَيَسَّر] (٢).
وقوله: ﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
قال قتادة: (فكان بها رجال مؤمنون ونساء مؤمنات، فكره اللَّه أن يُؤذَوا أو يوطَؤُوا بغير علم، فتصيبكم منهم معرة بغير علم).
وفي قوله: ﴿مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾. قال ابن زيد: (إثم بغير علم). وقال ابن إسحاق: (والمعرّة: هي المفعلة من العُرّ، وهو الجرب، وإنما المعنى: فتصيبكم من قِبَلهم معرة تعرُّون بها، يلزمكم من أجلها كفارة قتل الخطأ، وذلك عتق رقبة مؤمنة، من أطاق ذلك، ومن لم يطق فصيام شهرين).
فكان من الحكمة والحال هذه ألا يدخل المسلمون مكة عنوة، لئلا يقع مسلموها المستضعفون في الضيق والأذى بسبب محاولة قريش استخدامهم دريئة تنتقم من المسلمين بهم، وتنزل نقمتها وحقدها عليهم.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: ولولا رجال من أهل الإيمان ونساء منهم أيها المؤمنون باللَّه أن تطؤوهم بخيلكم ورجلكم لم تعلموهم بمكة، وقد حبسهم المشركون بها عنكم، فلا يستطيعون من أجل ذلك الخروج إليكم فتقتلوهم).
قلت: ومن هنا ندرك حجم المصيبة التي تنزل ببعض الأقليات المسلمة المبعثرة في أرجاء المعمورة والتي أسلمت يومًا بفضل اللَّه نتيجة للفتوحات الإسلامية التي طالت تلك البلاد عبر التاريخ، وذلك عندما تحاول تلك المجموعات الاستقلال عن حكومات تلك البلاد باللجوء إلى العنف والقتال، وهي تعيش متفرقة داخل تلك

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٨١١) - كتاب المُحْصر. باب النحر قبل الحلق في الحَصر.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٨١٥) - كتاب المُحْصَر. وانظر كذلك (١٨١٤).


الصفحة التالية
Icon