البلاد، فينالها عند ذلك من الشر والتشريد ما لا يعلمه إلا اللَّه، وكان أولى بهؤلاء وأمثالهم، أن يصبروا على بناء جماعة الحق في واقعهم، ويصقلوا هذا البناء بالصدق واليقين والعمل الصالح والصبر على منهاج النبوة في التغيير، حتى يأذن اللَّه لهم بحال فيه نصرهم متى رضي عن دينهم وامتثالهم، أو يأذن لهم بالهجرة إلى حيث يعز فيه سبحانه أهل العزائم من الطائفة المنصورة، وأما عند الفوضى واختلاط الصفوف فلا يوجد جهاد حتى تتضح راية الحق وتتميز من راية الباطل.
وقوله: ﴿لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾. أي: ليدخل اللَّه في الإسلام من أهل مكة من يشاء قبل أن تدخلوها.
وقوله: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾. قال القُتبي: (أي تميّزوا). وقال الكلبي: (لو تفرّقوا). وقال الضحاك: (لو زال المؤمنون من بين أظهر الكفار لعذب الكفار بالسيف).
وقوله: ﴿لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. أي: لو تميز مشركو مكة من الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات الذين لم تعلموهم، لَسَلَّطَ اللَّه المؤمنين على المشركين بالقتل أو الأسر أو نوع آخر من العذاب الآجل.
وقوله: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾.
الحمية: فعِيلة، وهي الأنَفَة. قِال الزُّهْري: (حَمِيَّتُهم أنفتهم من الإقرار للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالرسالة والاستفتاح بـ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ومنعهم من دخول مكة).
وقال ابن بحر: (حمِيّتُهم عصبيّتُهم لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون اللَّه تعالى، والأنفة من أن يعبدوا غيرها).
وقيل: (﴿حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ إنهم قالوا: قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا، واللات والعزى لا يدخلونها أبدًا) - ذكره القرطبي.
وقد مضى في حديث البخاري عن المسور ومروان قالا: [وكانت حميّتهم أنهم لم يقروا أنه نبيُّ اللَّه، ولم يقروا بـ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ وحالوا بينهم وبين البيت] (١).