قال ابن القيم في "زاد المعاد": (قال سليمان التَّيمي: لما رجع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ خَيبر، بعث السرايا، وأقام بالمدينة حتى استهل ذو القعدة، ثم نادى في الناس بالخروج) (١).
وقال الحاكم: (أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم، وأن لا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين، فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان) (٢).
قال ابن هشام: (واستعمل على المدينة عُويف بن الأضبط الديلي).
ثم خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أصحابه وساق ستين بدنة، وجعل عليها ناجية بن جندب الأسلمي، وما إن بلغَ ذا الحليفة إلا أحرم للعمرة ولبّى، فلبى المسلمون معه، وكانوا قد خرجوا بسلاحهم خشية غدر قريش، فقد أمرهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يكونوا مستعدين للطوارئ ومتهيئين لأسوأ الظروف والأحوال.
قال موسى بن عقبة: (حتى إذا بلغ يأجُجَ (٣) وضع الأداة كُلَّها، الحَجَفَ والمِجَانَّ، والنَّبْلَ والرِّماح، ودخلوا بسلاح الراكب السيوف).
وقد أراد بذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التزام العهد الذي كتبه مع قريش قبل عام.
ففي صحيح الإمام البخاري عن البراء، قال: [لما اعتمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذي القَعْدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام... فكتب: هذا ما قاضى محمدُ بنُ عبدِ اللَّه لا يُدْخِلُ مكةَ السلاح إلا السيف في القِرَاب، وأن لا يخرُجَ من أهلها بأحد إن أراد أن يتبَعَهُ. وأن لا يَمْنَعَ من أصحابه أحدًا إن أراد أن يقيم بها] (٤).
فأبقى المسلمون أسلحتهم غير السيوف خارج الحرم، وخلف عليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أوس بن خولى الأنصاري في مئتي رجل، ومضى داخلًا على ناقته القصواء، وقد أحدقت به طائفة من المسلمين متوشحي السيوف وهم يلبون.
(٢) انظر: "فتح الباري شرح صحيح البخاري" (٧/ ٥٠٠). وكتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة (٢/ ١١٨٥) لمزيد من التفصيل.
(٣) موضع على ثمانية أميال من مكة. والخبر ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (٣/ ٣٧٠ - ٣٧١).
(٤) حديث صحيح. رواه البخاري (٢٦٩٩) - كتاب الصلح. وانظر كتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة (٢/ ١١٨٦) لمزيد من التفصيل.