يروي البخاري عن عبد اللَّه بن أبي أوفى قال: [لما اعتمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (١).
ومضى الموكب الرهيب أمام أعين المشركين الذين جلسوا على جبل قعيقعان شمال الكعبة ينظرون إلى المسلمين، وكانوا قد أشاعوا في قومهم فقالوا: إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب، فأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصحابه بالرَّمَل في الطواف لإظهار القوة.
فقد أخرج الإمام البخاري عن ابن عباس قال: [قَدِمَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُه فقال المشركون: إنه يَقْدُم عليكم وَفْدٌ وَهَنَتْهُم حُمّى يثرب (وفي رواية لمسلم: ولقوا منها شدة)، وأمرهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَرْمُلُوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين (وفي رواية مسلم: ليرى المشركون جَلَدهم)، ولم يَمْنَعْهُ أن يأمُرَهُم أن يَرْمُلوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم] (٢).
وفي رواية: [لما قدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعامِه الذي استأمن قال: ارْمُلُوا ليرى المشركون قوتهم، والمشركون من قِبَل قُعَيْقِعان].
ورواه الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث عبد اللَّه بن عباس: [أن قريشًا قالت: إنّ محمدًا وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب، فلما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعامه الذي اعتمر فيه قال لأصحابه: ارمُلُوا بالبيت ثلاثًا ليرى المشركون قوتكم، فلما رملوا قالت قريش: ما وهنتهم] (٣).
ثم أمر أصحابه فقال: اكشفوا عن المناكب واسْعَوا في الطواف، فامتثلوا الأمر بالاضطِباع، فكشفوا المناكب اليمنى وأبقوا طرف الرداء على اليسرى. ثم دخل مكة من قبل الثنية التي تطلعه على الحجون وهو يلبي، حتى استلم الركنَ بمِحجنِه ثم طاف وطاف المسلمون.
وقد مضى يومئذ عبد اللَّه بن رواحة الأنصاري رضي اللَّه عنه بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متوشحًا بالسيف يرتجز بقوة وشجاعة، وينزل شعره الأصيل على قلوب المشركين كالسهام.
قال موسى بن عقبة: (فوقف أهل مكة: الرجالُ والنساءُ والصبيانُ، ينظرون إلى
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٢٥٦) - كتاب المغازي، باب عمرة القضاء. ورواه مسلم.
(٣) حديث صحيح. انظر مسند أحمد (١/ ٣٠٦)، وكتابي: السيرة النبوية (٢/ ١١٨٧) لتفصيل البحث.