ولما فرغ من السعي قال وهو على المروة: هذا المنحر، وكل فجاج مكة وطرقها منحر، وكان قد وقف الهدي عند المروة فأمر بنحرها.
يروي الإمام مالك في الموطأ، قال: [حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال بمنى: هذا المنحر وكل منى منحر. وقال في العمرة: هذا المَنْحَرُ، يعني المروة، وكل فجاج مكة وطُرقها مَنْحَرٌ] (١).
فنحر عند المروة، ثم حلق وقلّده بذلك المسلمون، ثم بعث ناسًا من أصحابه إلى يأجج ليقيموا على السلاح ويأتي الآخرون ليقيموا مناسكهم، ففعلوا. فلما مضى الأجل أرسلت قريش إلى عليّ أن قل لصاحبك أن أخرج فقد مضى الأجل.
يروي البخاري عن البراء قال: [فلما دخلها ومضى الأجل أتوا عليًا فقالوا: قل لصاحبك أخرج عنا فقد مضى الأجل] (٢).
وكان عند دخوله -صلى اللَّه عليه وسلم- قد بعث جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة بنت الحارث يخطبها إليه، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجها العباس من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما طلبوا منه الخروج قال لهم -كما يروي ابن إسحاق وموسى بن عقبة-: (وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعامًا فحضرتموه. قالوا: لا حاجة لنا في طعامك، فأخرج عنا، فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وخلَّف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسَرِف) (٣).
فخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأصحابه وقد من اللَّه عليه بالعمرة وإظهار الشوكة، ولكن ما إن خرج إلا تبعته ابنة حمزة تناديه يا عم، فحملتها فاطمة، واختصم فيها علي وزيد وجعفر، فقضى بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لخالتها.
أخرج ذلك الإمام البخاري عن البراء قال: [فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فتبعتْه ابنةُ حمزة تنادي: يا عمّ. فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك، فحملتها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، قال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال جعفر: ابنةُ عمي وخالتُها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي. فقضى بها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لخالتها وقال: الخالة بمنزلة الأم. وقال لعلي: أنت مني وأنا منك، وقال لجعفر: أشْبَهْتَ خَلْقي
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه -حديث رقم- (٢٦٩٩) - كتاب الصلح.
(٣) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ٣٧٢). و"سرف" موضع قرب التنعيم.