وخُلُقي. وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا] (١).
ثم خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وخلَّف أبا رافع مولاه على ميمونة حتى أتاه بسرف، فبنى بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هناك، ثم انصرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة في ذي الحجة.
وسميت هذه العمرة عمرة القضاء، لأن ذلك مشتق من المقاضاة وهي المصالحة التي كانت يوم الحديبية مع قريش. قال ابن القيم: (ومنها أنَّ المُحْصَرَ لا يجب عليه القضاءُ، لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرهم بالحلق والنحر، ولم يأمر أحدًا منهم بالقضاء، والعمرة من العام القابل لم تكن واجبة، ولا قضاء عن عُمرة الإحصار، فإنهم كانوا في عمرةِ الإحصار ألفًا وأربع مئة، وكانوا في عمرة القضية دون ذلك، وإنما سُمِّيت عمرةَ القضية والقضاء، لأنها العمرة التي قاضاهم عليها، فأُضيفت العُمرة إلى مصدر فعله) (٢).
وتحقّق وعد اللَّه لنبيّه والمسلمين، كما أخبرهم قبل عام في القرآن النازل من سورة الفتح: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾. قال ابن هشام: (يعني خيبر).
وفي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عمر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه! فلما كانت الرابعة قال: والمقصرين] (٣).
وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾. قال ابن كثير: (أي: بالعم النافع والعمل الصالح، فإن الشريعة تَشْتَمِلُ على شيئين: عِلْمٍ وعَمَلٍ، فالعلم الشرعي صحيح، والعمل الشرعيّ مقبول، فإخباراتُها حقٌّ وإنشاءاتها عدلٌ).
وقوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾. أي: على جميع الأديان ومناهج أهل الأرض.
وقوله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾. قال الحسن: (شهد على نفسه أنه سيظهر دينه). والتقدير: وكفاه اللَّه شهيدًا. و ﴿شَهِيدًا﴾ تمييز أو حال.
(٢) انظر: "زاد المعاد" (٣/ ٣٠٦ - ٣٠٧)، وكتابي: السيرة النبوية (٢/ ١٠٢٦، ١١٩١).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٧٢٧) - كتاب الحج، ورواه مسلم وأكثر أهل السنن.