قال القاسمي: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ أي: على أن ما وعده من إظهار دينه على جميع الأديان أو الفتح أو المغانم كائن).
٢٩. قوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)﴾.
في هذه الآية: إثبات الرسالة للنبي عليه الصلاة والسلام، ونَعْتُ أصحابه الغرّ الكرام، وذِكْرُ صفتهم في التوراة والإنجيل والقرآن، وَوَعْدُهُ تعالى عباده المؤمنين بالنصر والمغفرة والظهور على الطغاة اللئام.
فقوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾. إثبات للنبوة والرسالة بكلام جامع بديع.
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. إخبار عن صفة أتباعه عليه الصلاة والسلام، فهم أولو بأس وشدة عند مجالدة الكافرين، وأولو رحمة ورأفة بين بعضهم بعضًا. قال قتادة: (﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ ألقى اللَّه في قلوبهم الرحمة بعضهم لبعض). والآية كقوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: ٥٤]. قال ابن كثير: (وهذه صفةُ المؤمنين أن يكون أحدهم شديدًا عنيفًا على الكفار، رحيمًا بَرًّا بالأخيار، غَضُوبًا عَبُوسًا في وجه الكافر، ضحوكًا بشوشًا في وجه أخيه المؤمن، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣]).
وفي الصحيحين والمسند عن النعمان بن بشير قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ترى المؤمنين في تراحُمهم وتوادّهم وتعاطُفهم كمَثَل الجَسَدِ إذا اشتكى عُضْوًا تداعى له سائر جسدِه بالسَّهر والحُمَّى] (١).