فقوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا﴾. قال ابن جرير: (يقول: وكثيرًا أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش من القرون هم أشد من قريش الذين كذبوا محمدًا).
وقوله: ﴿فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ﴾. قال ابن عباس: (أثَّروا فيها). وقال مجاهد: (ضربوا في الأرض). وقال قتادة: (فساروا في البلاد). أي ابتغاء الأرزاق والمتاجر والمكاسب أكثر مما طفتم أنتم فيها، والخطاب لقريش.
وقوله: ﴿هَلْ مِنْ مَحِيصٍ﴾. أي: فهل كان لهم بتنقّبهم في البلاد وضربهم في أرجاء الأرض وجمعهم الأموال والمكاسب من معدل عن الموت، ومنجى من الهلاك، ومفرّ من قضاء اللَّه وقدره الذي حاق بهم نتيجة تكذيبهم الرسل؟ !
والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حَيْصًا وحُيوصًا ومَحيصًا ومَحاصًا وحيصانًا، أي: عَدَلَ وحادَ. ويقال: ما عنه محيص أي مَحيد ومَهْرب.
والمقصود: حاصرهم العذاب حين نزل بهم فما استطاعوا الحَيْص والمحيد والمهرب منه.
وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى﴾. أي: إن فيما ذكر في هذه السورة من الحقائق والأخبار لتذكرة وموعظة.
وقوله: ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾. أي: لبٌّ يعَي به. وقال مجاهد: (عَقْلٌ). أي عقل يتدبر به، وقيل: من كان له حياة ونفس مميزة.
قلت: والأولى أن يقال ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ أي: واع يفقه العبر، ويفهم آفاق موعظة هذا الوحي العظيم، فإن عمى القلب هو أشد العمى كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. قال قتادة: (﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ أي من هذه الأمة، يعني بذلك القلب: القلب الحي). وقال ابن زيد: (قلب يعقل ما قد سمع من الأحاديث التي ضرب اللَّه بها من عصاه من الأمم).
وقوله: ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾. أي أصغى إلى المواعظ وقلبه شاهد غير غافل ولا ساه. قال الضحاك: (العرب تقول: ألقى فلان سمعه: إذا استمع بأذنيه وهو شاهد، يقول غير غائب).