ومضوا على طريقة أسلافهم؟ !. قال قتادة: (أوصى أولاهم أخراهم بالتكذيب؟ ). وفي رواية عنه: (أي: كان الأول قد أوصى الآخر بالتكذيب).
وقوله: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾. قال ابن كثير: (أي: لكن هم قومٌ طُغاةٌ، تشابهت قلوبُهم، فقال متأخِّرهم كما قال متقدِّمهم).
وقوله: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾. قال مجاهد: (فأعرض عنهم). ﴿فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾. قال ابن جرير: (فما أنت يا محمد بملوم، لا يلومك ربك على تفريط كان منك في الإنذار، فقد أنذرت وبلغت ما أرسلت به).
وقوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. قال القاسمي: ﴿وَذَكِّرْ﴾ أي عظهم ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي من قذر اللَّه إيمانه، أو الذين آمنوا، فإنهم المقصودون من الخلق، لا مَنْ سواهم، إذ هم العابدون).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. فيه بيان سرّ السعادة في الدنيا والآخرة، فإن إفراد اللَّه تعالى بالعبادة هو أصل كل خير وصلاح للعباد في الدارين. وعن ابن عباس: (﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾: إلا ليقروا بالعبودة طوعًا وكرهًا). وقال ابن جريج: (إلا ليعرفون). وقال الربيع: (﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾: أي: إلا للعبادة). وقال عكرمة: (إلا ليعبدون ويطيعون، فأثيب العابد وأعاقب الجاحد).
وقوله تعالى: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾. إخبار منه تعالى أنه غير محتاج إلى عباده، بل هم الفقراء المحتاجون إلى رحمته ورزقه وفضله. قال النسفي: (﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ﴾: ما خلقتهم ليرزقوا أنفسهم أو واحدًا من عبادي). وقال ثعلب: (﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾: أن يطعموا عبادي، وهي إضافة تخصيص).
قلت: والآية تشبه قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: ١٣٢]. فربط العبادة بمفهوم الرزق، فإن الشيطان يهمّ بالعبد كلما حاول تفريغ جزء من وقته لأهله، فجاءت الآية تطمئن المؤمن أن الصبر على تعليم الأهل والولد الحق والصلاة وحب اللَّه ورسوله والجهاد في سبيله لا يؤخر من الرزق شيئًا.
وكذلك جاء الربط في آية الذاريات: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾. فربط العبادة مرة أخرى بالرزق، فلا يظن ظان أن تخصيص جُلَّ الوقت لإخلاص العبادة للَّه وطلب العلم