تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤)}.
في هذه الآيات: الأمر بالبلاغ المبين، والانتصار من اللَّه تعالى لرسوله الكريم، والتوبيخ لسلوك المنافقين والمعاندين.
فقوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ﴾. أَمْرٌ مِنَ اللَّه نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبلاغ والبيان، وتبرئة له من اتهام أهل الكفر والفجور والبهتان. والكاهن: الذي يتصل بالجان الذي يسترق الكلمة من خبر السماء، والمجنون: الذي يتخبطه الشيطان من المَسّ فالمعنى كما قال ابن جرير: (فلست بنعمة اللَّه عليك بكاهن تتكهن، ولا مجنون له رئيّ يخبر عنه قومه ما أخبره به، ولكنك رسول اللَّه واللَّه لا يخذلك).
وقوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾. أي: بل يقول لك المشركون يا محمد: هو شاعر ننتظر أن تنزل به حادثة متلفة من حوادث الدهر المهلكة، فنتخلص منه بموت أو مصيبة. قال مجاهد: (﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾: حوادث الدهر). وقال ابن عباس: (يتربصون به الموت). والمنون: الموت.
وعن قتادة: (قال ذلك قائلون من الناس: تربصوا بمحمد -رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الموت يكفيكموه، كما كفاكم شاعر بني فلان، وشاعر بني فلان).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾. أي: قل لهم -يا محمد-: انتظروا وترقبوا فإني منتظر معكم، وستعلمون من سيكون له النصر والعاقبة في الدنيا والآخرة.
وقوله: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا﴾. أي: أتأمر عقول المشركين وأحلامهم -وكانوا يعدون في الجاهلية أهل الأحلام- أن يقولوا لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يقولون من رميه بالسحر والشعر والجنون؟ ! إن هذا لشيء عجيب، إذ يقولون ما يعلمون أنه كذب وزور.
وقوله: ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾. قال مجاهد: (بل هم قوم طاغون). أي: ولكنهم في حقيقة الأمر قوم معاندون متكبرون ما حملهم على ما قالوه إلا الكبر والطغيان.
وقوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾. أي: أم يقول هؤلاء المشركون: إنّ محمدًا تقوّل هذا القرآن من عند نفسه واختلقه؟ !