وقوله: ﴿بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. تكذيب لدعواهم. أي: إنما حملهم على ذلك القول كفرهم بالحق الذي جاءهم من عند ربهم.
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾. أي: فليأتوا بقرآن يشبهه من تلقاء أنفسهم إن كانوا صادقين في دعواهم أن محمدًا افتراه، فهم أهل الفصاحة والإتقان للعربية وفنونها! !. إنهم لن يستطيعوا ذلك ولو اجتمع لهم فصحاء الجن والإنس، بل لن يستطيعوا أن يأتوا بعشر سور مثله، ولا بسورة من مثله.
٣٥ - ٤٣. قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣)﴾.
في هذه الآيات: تتابع التقريع من اللَّه تعالى على المشركين، في كشف تناقضات طريقهم واتباع الهوى والشياطين، وفضح مكرهم وما هم عليه من العداء لهذا الحق المبين.
فقوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾. إثبات للربوبية ومطالبة بمقتضاها: توحيد الألوهية. قال ابن جرير: (أخُلِقَ هؤلاء المشركون من غير شيء، أي من غير آباء ولا أمهات فهم كالجماد لا يعقلون ولا يفهمون للَّه حجة. -وقيل: المعنى: أم خلقوا لغير شيء- أم هم الخالقون هذا الخلق، فهم لذلك لا يأتمرون لأمر اللَّه ولا ينتهون عما نهوا عنه لأن للخالق الأمر والنهي).
وقوله تعالى: ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾. إنكار على المشركين شركهم بالألوهية، مع إقرارهم للَّه بالربوبية. قال النسفي: (﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ فلا يعبدون خالقهما ﴿بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾ أي لا يتدبرون في الآيات فيعلموا خالقهم وخالق السماوات والأرض). وقال القاسمي: (﴿بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾ أي بوعيد اللَّه، وما أعد لأهل الكفر به من العذاب في الآخرة، فلذلك فعلوا ما فعلوا).