وفي جامع الترمذي عن الشعبي قال: [لقي ابن عباس كعبًا بعرفة فسأله عن شيء فكبّر حتى جاوبته الجبال. فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم. فقال كعب: إنّ اللَّه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين. قال مسروق: فدخلت على عائشة فقلت: هل رأى محمد ربَّه؟ فقالت: لقد تكلمت بشيء قَفَّ (١) له شعري. قلت: رُويدًا، ثم قرأت ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ فقالت: أين تذهب بك؟ إنما هو جبريل. من أخبرك أن محمدًا رأى ربَّه أو كتم شيئًا مِمّا أمر به أو يعلم الخمس التي قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ فقد أعظم الفرية، ولكنه رأى جبريل، لم يره في صورته إلا مرتين، مرّة عند سدرة المنتهى، ومرّة في أجياد (٢) له ست مئة جناح، قد سدّ الأفق] (٣).
ويؤكد هذا ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر قال: [سألت رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هل رأيتَ ربك؟ قال: نورٌ أنَّى أراه] (٤).
وكذلك ما جاء فيه من حديث أبي موسى قال: [قام فينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخمس كلمات فقال: إن اللَّه عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفِضُ القسطَ ويَرْفَعُه، يُرْفَعُ إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل، حجابُه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه] (٥).
وأمّا ما روى مسلم عن ابن عباس: (﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١)﴾، ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾. قال: رآه بفؤاده مرتين). فموقوف على ابن عباس، وهو من اجتهاده الخاص، وحديث عائشة مرفوع صريح أنه لم يره وما ينبغي لأحد أن يرى اللَّه سبحانه في الدنيا.
وقد وقفت على رواية رائعة عند ابن ماجة من حديث أبي هريرة، وذلك عند سؤال الملكين في القبر بعد الدفن، قال رسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم-: [فيجلس الرجل الصالح في قبره،

(١) أي قام من الفزع.
(٢) موضع أسفل مكة.
(٣) أخرجه الترمذي (٣٢٧٨) وفيه ضعف، لكن يشهد له خبر عائشة في الصحيحين. فقد أخرجه البخاري (٤٦١٢)، (٤٨٥٥)، ومسلم (١٧٧)، والنسائي في "التفسير" (٤٢٨).
(٤) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم (١/ ١٦١)، وفتح الباري (٨/ ٦١٠ - ٦١١).
(٥) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٧٩) - كتاب الإيمان - من حديث أبي موسى رضي اللَّه عنه.


الصفحة التالية
Icon