غيرَ فزع ولا مشعوف (١)، ثم يقال له: فيمَ كنتَ؟ فيقول: كنتُ على الإسلام. فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جاءنا بالبينات من عند اللَّه فصدقناه، فيقال له: هل رأيت اللَّه؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى اللَّه، فيفرج له فرجةٌ قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك اللَّه تعالى، ثم يفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك، ويُقال له: على اليقين كُنْتَ، وعليه مُتَّ، وعليه تُبْعثُ إن شاء اللَّه...] (٢).
فيسأله الملكان عن أصول دينه التي لا تكون النجاة إلا بإقامتها وتعظيمها، ومن تلك الأسئلة: هل رأيت اللَّه؟ فيجيب الرجل الصالح بدين المرسلين المؤمنين: ما ينبغي لأحد أن يرى اللَّه.
وقوله تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾. أي: أوحى إلى عبده ورسوله أمورًا من الدين، وأطلعه على أمور كثيرة:
أولا: أوحى إليه شرع الصلاة:
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أنس -في الإسراء-: [... وأوحى اللَّه إليّ ما أوحى، ففرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال: فرجعت إلى ربي، فقلت: يا رب! خفف على أمتي فحطّ عني خمسًا، فرجعت إلى موسى فقلت: حطّ عني خمسًا. قال: إنّ أمتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف. قال: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال: يا محمد! إنهن خمس صلوات كلَّ يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، من هم بحسنة فلم يعملها كُتِبَت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرًا. ومَنْ هَمَّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب له شيئًا، فإن عملها كتبت له سيئة واحدة. قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع إلى ربك فَسَلْهُ التخفيف. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه] (٣).
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (٤٢٦٨) - كتاب الزهد. باب ذكر القبر والبلى. وانظر صحيح سنن ابن ماجة (٣٤٤٣)، وصحيح الجامع (١٩٦٤).
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (١٦٢) - كتاب الإيمان، في ختام حديث الإسراء.