مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}: لقد رأى محمد هنالك من أعلام ربه وأدلته الأعلام والأدلة الكبرى).
قلت: وقد سبق ذكر الآيات الكبيرة التي رآها نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة المعراج: كدخوله الجنة ورؤيته نهر الكوثر فيها، ورؤيته الأنهار الأربعة التي في أصل سدرة المنتهى تتفجّر منها، ورؤيته النار وعذاب بعض أهلها، ورؤيته الأسودة عن يمين آدم وشماله: نسمُ بنيه من أهل الجنة وأهل النار، إضافة إلى سماعه صريف الأقلام وكتابة الملائكة أفعال العباد، إلى غير ذلك من الآيات الكبيرة التي أطلع اللَّه عليها نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- في تلك الليلة.
١٩ - ٢٦. قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)﴾.
في هذه الآيات: تحقيرٌ للمشركين وأصنامهم، وتصغيرٌ لعقولهم وفساد حكمهم ومنهاجهم، وإثبات الأولى والآخرة للَّه العظيم، الذي لا يستطيع ابتداء الشفاعة لديه رسول أو ملك كريم، إلا من بعد أن يأذن اللَّه العزيز الحكيم.
فقوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾. تقريع من اللَّه سبحانه بالمشركين في اتخاذهم الأصنام والأوثان، وعبادتها من دون الرحمن، وتخصيص البيوت لها مضاهاة بكعبة أهل الإسلام.
قال ابن كثير: (وكانت اللات صخرة بيضاء منقوشة وعليها بيتٌ بالطائف له أستار وسَدَنة، وحوله فِناءٌ مُعَظَّمٌ عند أهل الطائف، وهم ثقيف ومن تابعها يفتخرون بها على مَنْ عداهم من أحياء العرب بعد قريش).
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس: رضي اللَّه عنهما في قوله: ﴿اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ قال: [كان اللّات رجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الحاجِّ] (١).

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٤٨٥٩)، كتاب التفسير، سورة النجم، آية (١٩).


الصفحة التالية
Icon