بأمره، لينذر الرسل يوم التلاقي. يوم يخرج الناس من قبورهم للحساب، ونيل ما استحقوا من الثواب أو العقاب.
فقوله: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ﴾. إخبار عن عظمته تعالى وكبريائه، وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع سماواته ومخلوقاته.
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة] (١).
وأخرج ابن خزيمة في "التوحيد"، وعبد اللَّه بن أحمد في "السنة" بسند صحيح عن ابن عباس قال: [الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره] (٢).
وقوله: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾.
قال ابن زيد: (هذا القرآن هو الروح أوحاه اللَّه إلى جبريل، وجبريل روح نزل به على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقرأ: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣]).
وقال قتادة: (﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ﴾ قال: الوحي من أمره).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢].
٢ - وقال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٤].
وهذا الوحي الأخير من اللَّه هو أكبر معجزة باقية في الأرض إلى يوم القيامة.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [ما مِنَ الأنبياء من نَبِيٍّ إلا قد أُعْطِيَ من الآيات ما مِثْلُهُ آمَنَ عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أَوْحى اللَّه إليَّ، فأرجو أن أكونَ أكثرهم تابعًا يوم القيامة] (٣).

(١) حديث صحيح. رواه ابن أبي شيبة في "كتاب العرش" (١١٤/ ١)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص ٢٩٠)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٠٩).
(٢) صحيح موقوف. أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" وعبد اللَّه بن أحمد في "السنة". انظر "مختصر العلو" ص (١٠٢)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (٢/ ١١٦١).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٤٩٨١) - كتاب فضائل القرآن، وكذلك (٧٢٧٤). =


الصفحة التالية
Icon