أبيه قال: [أثنى رجلٌ على رَجُلٍ عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صاحبك"، قَطَعْتَ عُنُقَ صاحِبِكَ مِرارًا. ثم قال: مَنْ كان مِنكم مادِحًا أخاه لا مَحالةَ فَلْيَقُل: أَحْسِبُ فُلانًا واللَّه حَسيبُهُ، ولا أُزكِّي على اللَّه أحدًا، أَحْسبُه كذا وكذا، إنْ كان يعلمُ ذلك منْه] (١).
الحديث الثالث: روى مسلم وأبو داود والترمذي عن هَمّام، قال: جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه، فأخذ المقداد بن الأسود ترابًا فحثا في وجهه، وقال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إذا لقيتُم المَدَّاحين فاحْثوا في وجوههم التراب] (٢).
٣٣ - ٤١. قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١)﴾.
في هذه الآيات: ذمُّ أهل الإعراض والكبر، وتقرير أنه لا يحمل أحدٌ عن أحد الإثم والوزر، واللَّه تعالى لا يضيع لأحد استحقاقه من الثواب والأجر.
فقوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى﴾. ذمٌّ من اللَّه لمن تولى عن طاعته فلا صدّق ولا صلى، ولكن كذّب وتولى. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: أفرأيت يا محمد الذي أدبر عن الإيمان باللَّه، وأعرض عنه وعن دينه).
وقوله تعالى: ﴿وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى﴾. أي أطاع قليلًا وأنفق ثم انقطع وأمسك وبخل. قال ابن عباس: (أطاع قليلًا ثم قطعه). وقال مجاهد: (﴿وَأَكْدَى﴾: انقطع عطاؤه). وقال قتادة: (أعطى قليلًا، ثم قطع ذلك). قال القرطبي: (وأصل "أَكْدى" من الكُدْية، يقال لمن حَفَر بئرًا ثم بلغ إلى حجر لا يتهيأ له فيه حَفْر: قد أكدى، ثم استعملته العرب لمن أعطى ولم يُتَمِّم، ولمن طلب شيئًا ولم يبلغ آخره). وقال
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٣٠٠٢)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٣٣٩)، وأبو داود (٤٨٠٤)، والترمذي (٢٣٩٣)، وابن ماجة (٣٧٤٢)، وأحمد (٥/ ٦).