وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن عائشة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ أطيبَ ما أكلَ الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه] (١).
وله شاهد في المسند وبعض السنن عنها بلفظ: [إنّ أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم].
ومن تلك الأعمال الصدقة والصيام والعتق ونحوه لأحاديث، منها:
أ- أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي اللَّه عنها: [أنّ رجلًا قال: إنّ أمي افْتُلِتَت نفسُها -أي ماتت فجأة- ولم تُوص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجرٌ إن تصدّقت عنها ولي أجر؟ قال: نعم، فتصدق عنها] (٢).
ب - أخرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: [أنّ رجلًا قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنّ أبي مات وترك مالًا ولم يُوص، فهل يكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم] (٣).
ج - أخرج أبو داود من حديث عبد اللَّه بن عمرو: [أنّ العاصَ بن وائل السَّهمي أوصى أنْ يُعْتَقَ عنه مئةُ رقبة، فأعتق ابنهُ هشام خمسين رقبة، وأراد ابنه عمرو أن يُعتق عنه الخمسين الباقية، قال: حتى أسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه إنَّ أبي أوصى أن يُعتق عنه مئة رقبةٍ، وإنَّ هشامًا أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون، أفأعتِقُ عنه؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنّه لو كان مسلمًا فأعتقتم أو تصدَّقتم عنه، أو حَجَجْتُم عنه بلغه ذلك) وفي لفظ: (فلو كان أقَرَّ بالتوحيد فصُمت وتصدّقت عنه نفعه ذلك)] (٤).
فائدة: كل الأحاديث تفيد أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابُها. قال الشوكاني: (فيخصَّص بهذه الأحاديث عمومُ قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾. ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الإنسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣/ ١٩٨)، وأخرجه مسلم (٣/ ٨١)، وغيرهما.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٥/ ٧٣)، وانظر تفصيل البحث في كتابي: أصل الدين والإيمان، عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان (٢/ ١٢٢٤ - ١٢٢٩).
(٤) حديث حسن. أخرجه أبو داود في الوصايا (٢/ ١٥)، وانظر "أحكام الجنائز" ص (١٧٣).