التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصلُ ثوابُهُ إلى الميت، فيوقَفُ عليها، حتى يأتي دليلٌ يقتضي تخصيصها) (١).
وقد استنبط الشافعي رحمه اللَّه من الآية: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ أن القراءة لا يصل إهداءُ ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم. ذكره الحافظ ابن كثير في "التفسير" ثم قال: (ولهذا لم يندبُ إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته ولا حَثَّهم عليه).
وقال العزّ بن عبد السلام: (ومن فعل طاعة للَّه تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حيّ أو ميت، لم يُنْتقل ثوابُها إليه، إذ ﴿لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ فإن شَرَعَ في الطاعة ناويًا أن يقع عن الميت لم يقع عنه، إلا فيما استثناه الشرعُ كالصدقة والصوم والحج) (٢).
٥ - الآثار الصالحة والصدقات الجارية يخلفها الميت.
ففي التنزيل: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء: إلا من صدقة جارية، أو علمٍ يُنْتفَعُ به، أو ولدٍ صالح يدعو له] (٣).
وفي سنن ابن ماجة بسند صحيح عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنَّ مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علمًا علَّمَهُ ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومُصْحَفًا ورَّثَهُ، أو مسجدًا بناهُ، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقُهُ من بعد موته] (٤).
والخلاصة: يصل إلى الميت من الحي: الدعاء، وصوم النذر من الولي، وقضاء الدين، وأعمال الصلاح من الولد الصالح، والحج عنه حالة وصيته بذلك، وينتفع بالآثار الصالحة والصدقات الجارية التي خلفها، وأما العبادات البدنية كالصلاة والصوم وقراءة القرآن والذكر فالراجح عدم وصولها، وبه قال الشافعي ومالك وكثير من العلماء المحققين رحمهم اللَّهُ جميعًا.
(٢) المرجع السابق ص (١٧٤)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (٢/ ١٢٢٨ - ١٢٢٩).
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٥/ ٧٣) - كتاب الوقف. وانظر مختصر صحيح مسلم (١٠٠١).
(٤) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة في السنن (٢٤٢). انظر صحيح سنن ابن ماجة (١٩٨).