كثيرًا". ثم انصرف -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبكى القوم، وأوحى اللَّه عز وجل إليه: يا محمدُ! لِمَ تُقَنِّطُ عبادي؟ فرجع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أبشروا، وسدِّدُوا، وقاربوا] (١).
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة مرفوعًا: [إن الكافر يزيدُه اللَّهُ ببكاءَ أهلِه عذابًا، وإن اللَّه لهو أضحك وأبْكى، ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [فاطر: ١٨]] (٢).
وأخرج الحاكم على شرط الشيخين عن عبد اللَّه بن قيس أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ أهلَ النار ليَبْكون، حتى لو أُجريت السُّفُنُ في دموعهم، لجرت، وإنهم ليبكون الدَّم! - يعني- مكان الدَّمْعِ] (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾. قال ابن بحر: (خلق الموت والحياة، كما قال: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ [الملك: ٢]). وقيل: قضى أسباب الموت والحياة. وقيل: أمات الكافر بالكفر، وأحيا المؤمن بالإيمان، قال اللَّه تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام: ١٢٢] الآية. وقال ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٣٦]- حكاه القرطبي. وبنحو ذلك قول عطاء: (أمات بعدله وأحيا بفضله). وقيل: (أمات الآباء وأحيا الأبناء). وقيل: (أنام وأيقظ). وقيل: (أمات في الدنيا وأحيا للبعث).
قلت: وجميع ما سبق مما يحتمله التأويل، فإن مفهوم الحياة والموت سواء في الأبدان أو النفوس والقلوب بيده سبحانه وتعالى، فهو يحيي ويميت وإليه المصير.
أخرج البخاري وابن ماجة عن حذيفة قال: [كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذا انتبه من الليل، قال: الحمد للَّه الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النُّشور] (٤).
وفي لفظ عند البخاري: [كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم باسمك أحيا وأموت]. وفي رواية من حديث أبي ذر بلفظ: [باسمك نموتُ ونحيا].
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٩٢٨) - كتاب الجنائز. باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه.
(٣) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (٤/ ٦٠٥)، وله شاهد عند ابن ماجة (٤٣٢٤)، وابن أبي الدنيا في "صفة النار" (ق ١٢/ ١). وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة -حديث رقم- (١٦٧٩).
(٤) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٧٣٩٤) - (٧٣٩٥)، كتاب التوحيد، ورواه ابن ماجة في السنن (٣٨٨٠) - كتاب الدعاء، باب ما يدعو به إذا انتبه من الليل.