وقوله: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ﴾. أي: كذلك يُثيب اللَّه ويُجازي من أطاع وشكر.
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ﴾. أي: ولقد كان -لوط- أنذرهم بأس اللَّه وحلول نقمته قبل نزول العذاب بهم، فما التفتوا إلى إنذاره، بل شكوا بذلك وتماروا فيه.
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾. قال ابن كثير: (وذلك ليلة ورَدَ عليه الملائكةُ: جبريلُ، وميكائيل، وإسرافيلُ في صورة شَبَاب مُردٍ حِسَانٍ مِحنةً من اللَّه بهم، فأضافَهُم لوطٌ -عليه السلام- وبعثتِ امرأتُه العجوزُ السَّوءُ إلى قومها، فأعلمتهُم بأضياف لوط، فأقبلوا يُهْرعون إليه من كل مكان، فأغلقَ لوطٌ دونهم البابَ، فجعلوا يحاوِلونَ كسرَ الباب، وذلك عَشِيّة، ولوطٌ -عليه السلام- يُدافِعُهم ويُمَانِعُهم دونَ أضيافه، ويقول لهم: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾ يعني نِساءهم، ﴿إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الحجر: ٧١]، ﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾، أي: ليس لنا فيهن أرَبٌ، ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩]. فلما اشتد الحالُ وأبَوا إلا الدخول، خرج عليهم جبريلُ -عليه السلام- فضرب أعينهم بطَرف جناحه، فانطمست أعينُهم. يقال: إنها غارت من وجوههم. وقيل: إنه لم يبقَ لهم عيون بالكُلِّية، فرجعوا على أدبارهم يتحسَّسُون بالحيطانِ، ويتوعَّدُون لوطًا -عليه السلام- إلى الصباح).
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾. قال قتادة: (يقول: صبحهم عذاب مستقرّ، استقرّ بهم إلى نار جهنم). وقال ابن زيد: (ثم صبّحهم بعد هذا، يعني بعد أن طمس اللَّه أعينهم، فهم في ذلك العذاب إلى يوم القيامة).
وقوله تعالى: ﴿فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾. أي: فذوقوا معشر قوم لوط عذاب اللَّه وبأسه الذي أنذركموه رسولكم لوط عليه الصلاة السلام. قال القرطبي: (أي فقلنا لهم ذوقوا، والمراد من هذا الأمر الخبر).
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾. أي: ولقد سهّل اللَّه هذا القرآن سواء للتلاوة أو للاتعاظ، فهل من مُتّعِظ بما فيه من العبر وأخبار الأمم. والخطاب لقريش ثم هو يعمّ كل من جاء بعدهم، ومضى على منهاجهم.
قال النسفي: (وفائدة تكرير ﴿فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ أن يجدّدوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكارًا واتعاظًا، وأن يستأنفوا تنبهًا واستيقاظًا إذا سمعوا الحثّ على ذلك والبعث عليه).