أي: فكيف تكذبون -معشر الثقلين- وهذه النعم العظيمة ترفلون بِظِلِّها وتنغمسون بملذاتها!
١٤ - ٢٥. قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥)﴾.
في هذه الآيات: إثبات خلق الإنسان من الصلصال والجان من النار، وإظهار بعض الآيات البديعة في الخلق في الأنهار والبحار.
فقوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾. أي من الطين اليابس الذي له صلصلة إذا حرّك ونقر كالفخار. قال ابن عباس: (﴿مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾: الطين اليابس). وقال عكرمة: (الصلصال: طين خُلط برمل فكان كالفخار). وقال مجاهد: (الصلصال: الترابُ اليابسُ الذي يُسمع له صلصلة فهو كالفخار). والفخار: هو الذي قد طُبخَ من الطين بالنار.
وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنّ اللَّه خلق آدم من قُبْضَةٍ قَبَضَها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قَدْرِ الأرض، فجاء منهم الأحمرُ، والأبيضُ، والأسودُ، وبَيْنَ ذلك، والسَّهْلُ، والحَزْنُ، والخبيثُ، والطَّيبُ] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾. أي من طرف لهبها. قال مجاهد: (اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت). وقال ابن عباس: (﴿مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾: من لهب النار، من أحسنها). أو قال: (من خالصِ النار). قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾، وهو ما اختلط بعضه ببعض، من بين أحمر وأصفر وأخضر، من قولهم: مَرِج أمر القوم: إذا اختلط).