ذهب بعض المفسِّرين، فإن الآيتين تصرحان بصفة الوجه للَّه الكريم التي لا ينكرها إلا هالك.
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى قال: قام فينا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخمس كلمات فقال: [إنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يَخْفِضُ القِسْطَ ويرفَعُه، يُرْفَعُ إليه عملُ الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل، حجابُه النور، لو كشفَه لأحْرَقت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بَصَرُهُ من خلقه] (١).
قال ابن عباس: (﴿ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾: ذو العظمة والكبرياء). قال ابن كثير: (وقد نَعَتَ تعالى وجهه الكريم في هذه الآية الكريمة بأنه ﴿ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾، أي: هو أهل أن يُجَلَّ فلا يُعْصى، وأَنْ يُطاع فلا يُخالف، كقوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: ٢٨]، وكقوله إخبارًا عن المتصدقين: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٩]).
وفي جامع الترمذي عن أنس مرفوعًا: [ألِظُّوا بياذا الجلال والإكرام] (٢). أي: الزموا ذلك في الدعاء.
وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. أي: فبأي نعم ربكما -معشر الثقلين- تكذبان.
قال القرطبي: (ووجه النعمة في فناء الخلق التسوية بينهم في الموت، ومع الموت تستوي الأقدام. وقيل: وجه النعمة أن الموت سبب النقل إلى دار الجزاء والثواب).
وقوله: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. إخبار عن كمال غناه، وافتقار الخلائق جميعًا إلى سؤاله ورحمته. قال ابن عباس: (أهل السماوات يسألونه المغفرة ولا يسألونه الرزق، وأهل الأرض يسألونهما جميعًا). وقال ابن جريج: (وتسأل الملائكة الرزق لأهل الأرض). وقال قتادة: (لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض، يُحْيي حَيًّا، ويُميت ميتًا ويربى صغيرًا، ويذل كبيرًا، وهو مَسْأل حاجات الصالحين، ومنتهى شكواهم، وصريخ الأخيار). وعن ابن عباس أيضًا: (﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ قال: يعني مسألة عباده إياه الرزق والموت والحياة، كل يوم هو في ذلك).
(٢) حديث حسن. أخرجه الترمذي (٣٥٢٤)، وبنحوه الحاكم (١/ ٤٩٨ - ٤٩٩)، وله شواهد.