وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. أي: فبأي نعم ربكما -معشر الجن والإنس- من نعمه الكثيرة التي منها التسوية بين جميعكم، لا يقدر أحد على خلاف أمره تكذبان؟ !
وقوله تعالى: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ﴾. إثبات لكامل الإحاطة بالعباد -يوم الحشر- ومطلق العجز الذي ينزل بهم. فإن محاولة الفرار تعني الحرق بالنار والإحاطة باللهب. قال ابن عباس: (الشواظ هو لهب النار. ﴿وَنُحَاسٌ﴾: دخان النار). والعرب تسمي الدخان نحاسًا. وقال الضحاك: (﴿شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ﴾ سَيْلٌ من نار. ﴿وَنُحَاسٌ﴾: سَيْلٌ من نحاس). وقال مجاهد: (النحاس: الصفر، يذاب فيصبّ على رؤوسهم).
وبكلا المعنيين فإن المقصود: لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردّتكم الملائكة وزبانية العذاب بإرسال اللهب من النار والدخان أو النحاس المذاب عليكم لترجعوا، ومن ثمّ فلا تنتصران. ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
٣٧ - ٤٥. قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٢) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٥)﴾.
في هذه الآيات: تَفَطُّرُ السماء يوم القيامة وذل المشهد على المجرمين في أرض المحشر، ودُنُوُّ جهنم من الكافرين يخرج منها الشرر، ليطوفوا بين الحميم وبين الجحيم ويذوقوا جزاء الكفر والبطر.
فقوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾. يعني: يوم القيامة. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: فإذا انشقت السماء وتفطّرت، وذلك يوم القيامة، فكان لونها لون البرذون الورد الأحمر (١)).

(١) الورد الأحمر: الفرس الأحمر.


الصفحة التالية
Icon