فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: ٣٥ - ٣٦]. كما لا يسأل أحد من مجرمي الإنس والجن عن ذنوب بعضهم لاكتمال السجلات بدقائق تلك الجرائم وتفاصيلها، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨].
قال ابن القيم في "طريق الهجرتين": (اختلف في هذا السؤال المنفيّ، فقيل: هو وقت البعث والمصير إلى الموقف، لا يسألون حينئذ، ويسألون بعد إطالة الوقوف، واستشفاعهم إلى اللَّه أن يحاسبهم، ويريحهم من مقامهم ذلك. وقيل المنفيّ سؤال الاستعلام والاستخبار، لا سؤال المحاسبة والمجازاة. أي قد علم اللَّه بذنوبهم، فلا يسألهم عنها سؤال من يريد علمها، وإنما يحاسبهم عليها) انتهى.
وقد أفرد الإمام مسلم في صحيحه في كتاب التوبة بابًا سمّاه: باب: تقرير النعم يوم القيامة على الكافر والمنافق. روى فيه -ما يجمع معاني هذه الآية والآيات الأخرى في مواقف الحساب- عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [فيلقى العَبْدَ فيقول: أي فُلْ! ألم أكرِمْكَ وأسوَّدْك وأزوَّجْك وأسخَّر لك الخيل والإبل وأذَرْكَ ترأس وتربَعُ؟ فيقول: بلى أي ربِّ، قال: فيقول: أفَظَنَنْتَ أنك ملاقِيَّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل! ألم أكرِمْكَ وأُسَوَّدْكَ وأُزوَّجْكَ وأسَخَّر لك الخيل والإبل، وأَذَرْكَ تَرْأَسُ وتربَعُ؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: أفظننت أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثالثَ فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب آمنتُ بك وبكتابك وبرسلك، وصلّيتُ وصُمْتُ وتَصَدَّقْتُ، ويثني بخير ما استطاع، قال: فيقول: هاهنا إذن. قال: ثم يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك، ويتفكّر في نفسه من ذا الذي يشهد علي؟ فيختَمُ على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقِي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، وذلك ليُعْذِر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يَسْخَطُ اللَّه عليه] (١).
وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. أي: فبأي نعم ربكما معشر الجن والإنس في إقامة العدل فيكم والقصاص من المجرمين تكذبان!
وقوله: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾. قال الحسن: (سواد الوجه وزرقة الأعين).
والمقصود: يعرفون يومئذ بعلامات تدل على صفة الإجرام والشقاء فيهم، كما يعرف المؤمنون بالغرّة والتحجيل من الوضوء وآثار السجود.