بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٥) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٩) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٦١)}.
في هذه الآيات: ذِكْرُ حال السعداء الأبرار، بعد ذكر مآل الأشقياء الفجار، فهم يتنعمون بين الجنان والعيون، والفواكه والحور العين، وألوان الملذات الكثيرة، والنعم الجليلة الوفيرة.
فقوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾. قال ابن عباس: (وعد اللَّه جل ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأذوا فرائضه الجنة). وقال مجاهد: (الرجل يهمّ بالذنب فيذكر مقامه بين يدي اللَّه فيتركه، فله جنتان). قال القرطبي: (والمعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية. فـ ﴿مَقَامَ﴾ مصدر بمعنى القيام. وقيل: خاف قيام ربه عليه أي إشرافه واطلاعه عليه، بيانه قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد: ٣٣]).
وأما الجنتان: فهما بستانان في عرض الجنة. قيل: إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعله رؤسماء الدنيا. وقيل: إحدى الجنتين جنته التي خلقت له وجنة ورثها. وقيل: إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه. وقيل: إن إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها. - واللَّه تعالى أعلم.
قلت: وقد ثبت في صحيح السنة حديثان في آفاق معنى هذه الآية.
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أبي عِمْرانَ الجَوْنيّ عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن قيس، عن أبيه: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [جَنّتان من فِضّة، آنِيَتُهُما وما فيهما، وجَنَّتان مِنْ ذَهَبٍ آنيتُهما وما فيهما، وما بينَ القوم وبين أن ينظروا إلى ربِّهم إلا رِداءُ الكِبْرِ على وَجْهِهِ في جنة عَدْن] (١).
الحديث الثاني: أخرج النسائي في "التفسير"، وأحمد في المسند، بسند حسن،