عن عطاء بن يسار، قال: أخبرني أبو الدّرداء: [أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ يومًا هذه الآية: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾. فقلت: وإنْ زنى وإن سَرَقَ؟ فقال: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾. فقلت: وإنْ زنى وإنْ سَرَقَ يا رسول اللَّه؟ فقال: وإنْ رغِمَ أنفُ أبي الدَّرداء] (١).
وله شاهد رواه ابن أبي عاصم في "السنة" عن عمرو بن الأسود قال: [خرج من منزله وخرج أبو الدرداء وهو يقول: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾، فذكر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: وإن زنى وإن سرق].
قال ابن كثير: (وهذه الآية عامة في الإنس والجن، فهى من أدَلّ دليل على أن الجنَّ يدخُلون الجنة إذا آمنوا واتقوا).
وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. أي: فبأي نعم ربكما -أيها الجن والإنس- التي أنعم عليكم بإثابته المطيع منكم ما وُصف لكم من الجنان تكذبان؟ !
وقوله تعالى: ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾. الأفنان أغصان الشجر. فوصف سبحانه هاتين الجنتين بالأغصان النضرة يصن بعضها بعضًا، وتحمل من ألوان الثمار وأنواعها النضيج البهيج.
فعن ابن عباس: (﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ قال: ذوَاتا ألوان). وقال عكرمة: (ظلّ الأغصان على الحيطان). وقال الضحاك: (﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ يقول: ألوان من الفاكهة).
وقال مجاهد: (﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾: ذواتا أغصان).
والفَنَنُ في لغة العرب الغُصْن، وجمعه الأَفْنان. والفنون الأنواع. والأفانين: الأساليب، وهي أجناس الكلام وطرقه. ورجل متفنّن: أي ذو فنون. وافتَنّ الرجل في حديثه إذا جاء بالأفانين.
وخلاصة القول: أن أغصان هاتين الجنتين تحمل فنونًا من الملاذ، وضروبًا من الألوان، في أصناف الفاكهة والثمار، بهجة ونعمة لأهلها، إضافة إلى ظلها المديد الذي يفيض بالأنس والطمأنينة.

(١) حديث حسن. أخرجه النسائي في "التفسير" (٥٨٠)، وأحمد (٦/ ٤٤٢)، والطبري (٣٣٠٨٨)، والبغوي (٤١٨٩) من طرق، وهذا إسناد على شرط الشيخين. ويشهد له ما رواه ابن أبي عاصم في "السنة" (٩٧٥)، ورجاله ثقات.


الصفحة التالية
Icon