أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان. وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يظعنه] (١).
وله شاهد في الروض النضير من حديث أنس، ولفظه: [إن الحور العينَ لتغنين في الجنة يقلن: نحن الحور الحسان، خبئنا لأزواج كرام].
وقيل: المراد بـ ﴿خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ خيرات كثيرة حسنة في الجنة، والمعنى الأول أرجح، ويؤيده قوله تعالى بعده: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾. قال البخاري: (قال ابن عباس: ﴿حُورٌ﴾ سودُ الحدق. وقال مجاهد: ﴿مَقْصُورَاتٌ﴾ محبوساتٌ، قَصَرْنَ طَرْفهُنَّ وأَنْفُسَهُنّ على أزواجهن). وقال الضحاك: (﴿مَقْصُورَاتٌ﴾ المحبوسات في الخيام لا يخرجن منها). وقال ابن عباس: (﴿فِي الْخِيَامِ﴾: بيوت اللؤلؤ). وقال الحسن: (الخيام: الدّر المجوف). قال ابن كثير: (هناك قال: ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾، ولا شك أن التي قد قَصَرت طَرْفها بنفسها أفضلُ ممن قُصِرت، وإن كان الجميع مُخدَّراتٍ).
وفي صحيح البخاري عن أبي بكر بنِ عبد اللَّه بن قيس عن أبيه أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنّ في الجنة خيمةً من لؤلؤةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُها سِتُّون ميلًا، في كل زاوية منها أهل ما يَرون الآخرين، يطوفُ عليهم المؤمنون] (٢).
وأخرجه مسلم بلفظ: [إن للمؤمن في الجنة لخيمةً من لؤلؤة واحدةٍ مُجَوَّفةٍ، طولها سِتّون ميلًا، للمؤمن فيها أهلون يطوفُ عليهم المؤمن فلا يرى بعضُهم بعضًا] (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾. أي: فبأي ألوان النعيم والملاذ الموصوفة لكم -معشر الجن والإنس- مما أعدّه اللَّه لأهل طاعته في الجنة تكذبان؟ !.
وقوله تعالى: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: لم يَمَسَّهن بنكاح فيدميهن إنس قبلهم ولا جان). قلت: وقد تقدم اللفظ نفسه في الجنتين الأوليين، وزاد هناك في وصفهن: ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾، لينعت سبحانه زيادة التألق والحسن في جائزة السابقين.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٤٨٧٩)، كتاب التفسير. وانظر (٣٢٤٣).
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٣٨) ح (٢٤)، والترمذي (٢٥٢٨)، وأحمد (٤/ ٤١١).