كرهَج الغُبار يسطع ثم يذهب، فلا يبقى منه شيء). وقال عكرمة: (المُنْبَثُّ: الذي قد ذرته الريح وبثَّته).
والمقصود: زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة، وذهابها وتسييرها ونسفها، وصيرورتها كالعهن المنفوش كما أفاد ابن كثير رحمه اللَّه.
وقوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً﴾. أي أصنافًا ثلاثة، كل صنف يشاكل ما هو منه، كما يشاكل الزوج الزوجة. قال عثمان بن عبد اللَّه بن سراقة (١): (اثنان في الجنة وواحد في النار. يقول: الحور العين للسابقين، والعُرُب الأتراب لأصحاب اليمين). وعن ابن عباس: (﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً﴾ قال: هي التي في سورة الملائكة: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾). وقال مجاهد: (﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً﴾ يعني فِرَقًا ثلاثة).
وقوله تعالى: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾. بيان للأصناف الثلاثة. فأصحاب الميمنة هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وأصحاب المشأمة هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار. قاله السدي. والمشأمة هي الميسرة. وقال ابن جريج: (أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات).
وفي صحيح البخاري من حديث الإسراء عن أنس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [فلما فُتِحَ عَلَونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعدٌ على يمينه أَسْوِدة، وعلى يساره أَسْوِدة، إذا نظر قِبَل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى. فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نَسَمُ بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظرَ قَبِل شماله بكى] (٢).
وأما السابقون: فهم أهل السبق إلى الإيمان والعمل الصالح وحمل لواء الجهاد في سبيل اللَّه في كل زمان، لحراسة الدين وسياسة الدنيا به.
فقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ مبتدأ وخبر، أي: السابقون إلى طاعة اللَّه هم السابقون إلى رحمة اللَّه. ومن أقوال المفسرين في ذلك:
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري - فتح الباري - (١/ ٤٥٨، ٣/ ٤٩٢، ٦/ ٣٧٤).