وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (٢٦)}.
في هذه الآيات: السابقون المقربون هم قليل في الأمم، وقد أعدّ اللَّه لهم أجمل وأجَلَّ النعم، فهم يتلذذون اليوم باللحم والفاكهة والشراب والحور وينعمون بأحسن العطاء والكرم.
فقوله تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾. فيه تفسيران اثنان:
التفسير الأول: قيل جماعة من الأمم الماضية وقليل من أمة محمد (ممن آمن بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-).
التفسير الثاني: قيل: (كلا الثلتين من أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمنهم من هو في أول أمته، ومنهم من هو في آخرها). روي ذلك عن أبي بكر رضي اللَّه عنه.
والثلة في لغة العرب: من ثَلَلْثُ الشيء أي: قطعته. (والثلة: كالفرقة).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ﴾. قال ابن عباس: (منسوجة بالذهب).
وقال عكرمة: (مشبكة بالدر والياقوت). قلت: والوضن في كلام العرب: النسج المضاعف، من وَضَنَ فلان الحجر والآجُرَّ إذا وضعه بعضه فوق بعض فهو موضون.
والمقصود: أن سرر السابقين في الجنة محكمة النسج والتشبيك.
وقوله تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ﴾. أي: وجوه بعضهم إلى بعض، ليس أحدٌ وراء أحد.
قال النسفي: (﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حال من الضمير في "على"، وهو العامل فيها، أي استقروا عليها متكئين ﴿عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ﴾ ينظر بعضهم في وجوه بعض ولا ينظر بعضهم في أقفاء بعض، وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة، و ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ حال أيضًا).
وقوله تعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ﴾. أي: يخدمهم ويقوم على راحتهم وطلباتهم أطفال مُبَقّون أبدًا على شكل الولدان لا يتحولون عنه، وهم روعة في الأنس