والجمال. قال مجاهد: (﴿مُخَلَّدُونَ﴾: لا يموتون). وقال ابن جرير: (ولدان على سنّ واحدة، لا يتغيرون ولا يموتون).
أخرج أبو نعيم في "الحلية" بسند حسن عن أنس بن مالك قال: [سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذراري المشركين لم يكن لهم ذنوب يعاقبون بها فيدخلون النار، ولم تكن لهم حسنة يجازون بها فيكونون من ملوك الجنة؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: هم خدم أهل الجنة] (١). ورواه ابن مندة بنحوه عن أبي مالك بلفظ: [أطفالُ المشركين هم خَدَمُ أهل الجنة]. قال القرطبي: (والمقصود: أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم والولدان بالإنسان).
وقوله تعالى: ﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾. الأكواب: جمع كوب، والمراد الآنية التي لا عُرى لها ولا خراطيم، والأباريق: جمع إبريق، ولها عرى وخراطيم. وسمّي الإبريق كذلك لأنه يبرق لونه من صفائه. والمعين الجاري من ماء أو خمر. قال قتادة: (﴿وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ أي: من خمر جارية).
والمقصود: أنّ اللَّه سبحانه زادهم على سرورهم وهم على سررهم شرابًا من الخمر الجارية من العيون، أو الظاهرة للعيون من المعاينة.
وقوله: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾. قال قتادة: (ليس لها وجع رأس).
والمراد: لا يعتري شاربها الصداع كما كان يعتري شارب خمر الدنيا، فإن الاسم واحد والطعم واللون واللذة شيء آخر.
وقوله: ﴿وَلَا يُنْزِفُونَ﴾. قرأها قراء المدينة والبصرة بفتح الزاي "لا يُنْزَفون" أي: لا تنزف عقولهم. وقرأها قراء الكوفة بكسر الزاي: "لا يُنْزفون" أي: لا ينفد شرابهم، وكلا المعنيين حق.
وقوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾. أي: ويطوف هؤلاء الولدان المخلدون على السابقين بألوان الفاكهة التي يشتهونها لأنفسهم ويتخيرونها من ثمار الجنة، وكذلك بلحم طير مما لذّ وطاب واشتهته الأنفس.

(١) صحيح لشواهده. أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٦/ ٣٠٨)، وبنحوه أبو يعلى في "مسنده" (١٠١١ - ١٠١٢)، والبزار (٢٣٢). وبنحوه روى ابن مندة في "المعرفة" (٢/ ٢٦١/ ١)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٤٦٨).


الصفحة التالية
Icon