وقوله تعالى: ﴿لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾. أي: خُلِقْنَ لأصحاب اليمين، أو: ادُّخِرن لأصحاب اليمين. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: أنشأنا هؤلاء اللواتي وصف صفتهنّ من الأبكار للذين يؤخذ بهم ذات اليمين من موقف الحساب إلى الجنة). وقال القرطبي: (قيل: الحور العين للسابقين، والأتراب العرب لأصحاب اليمين).
وقال القاسمي: (﴿لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ متعلق بـ "أنشانا" أو "جعلنا" أو صفة لـ ﴿أَبْكَارًا﴾ أو خبر لمحذوف، مثل هنّ). وقيل: ويجوز أن يكون قوله: ﴿لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ متعلقًا بما قبله، وهو قوله: ﴿أَتْرَابًا (٣٧) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ أي: في أسنانهم.
وفي آفاق هذا المعنى أحاديث من السنة الصحيحة:
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أبي زُرْعَة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنَّ أوَّلَ زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البَدْرِ، والذين يلونهم على أشدَّ كوكب دُرَّيٍّ، في السماء إضاءة، لا يبولون، ولايتغَوَّطونَ ولا يَتْفِلُونَ ولا يمتخطِون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المِسْكُ، ومجامِرُهُم الأَلُوَّةُ، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خَلْق رَجُلٍ واحد، على صورة أبيهم آدم، سِتُّون ذراعًا، في السماء] (١).
وفي رواية بالضم: (على خُلُقِ رجل واحد).
الحديث الثاني: أخرج أحمد بإسناد على شرط مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [يدخُلُ أهل الجَنَّةِ الجنَّةَ جُردًا مُردًا بيضًا جِعَادًا مُكَحَّلين، أبناءَ ثلاثٍ وثلاثين، وهم على خَلْقِ آدم سِتُّونَ ذِراعًا في عَرْضِ سَبْعَةِ أذرُع] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الترمذي بإسناد حسن عن معاذ بن جبل: أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [يَدْخُلُ أهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُردًا مُردًا مُكَحَّلينَ أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنة] (٣).
وقوله تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾. أي: جماعةٌ من الأولين، وجماعة من الآخرين. وثلّة مرفوع على الابتداء، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره "هم".
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٢٩٥)، وإسناده على شرط الإمام مسلم.
(٣) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن -حديث رقم- (٢٥٤٥) بإسناد حسن في الشواهد.