فقوله: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾.
قال السدي: (هو ابن عم فرعون. ويقال: هو الذي نجا مع موسى). وقيل: (كان قبطيًا آمن بموسى سرًا). قلت: والأرجح أن يقال: كان رجلًا مؤمنًا من آل فرعون يخفي إيمانه.
وقوله: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾. هذه كلمة حق عند سلطان جائر، وقد ثبت في السنة الصحيحة أن ذلك من أعظم الجهاد.
فقد أخرج أبو داود وابن ماجة بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [أفضلُ الجهاد كلمةُ عدْلٍ عِندَ سلطانٍ جائر -أو "أمير جائر"-] (١).
و﴿أَنْ﴾ في موضع نصب، والتقدير: أتقتلون موسى لأن يقول ربي اللَّه.
وعن ابن إسحاق: (﴿وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ بعصاه ويده).
وقد استشهد أبو بكر رضي اللَّه عنه بهذه الآية مدافعًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد تطاول عليه الشقي عقبة بن أبي معيط وهو يصلي عند الكعبة يريد خنقه.
فقد أخرج البخاري في صحيحه، وأحمد في مسنده، عن عروة بن الزبير قال: [قلت لعبد اللَّه بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشدِّ ما صَنَعَ المشركون برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: بَيْنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي بفِناء الكعبة إذ أقبل عقبةُ بن أبي مُعَيْطٍ فأخذ بِمَنكِب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولَوَى ثوبَهُ في عُنُقِهِ فخنقَهُ خَنْقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر، فَأخذ بِمَنْكِبِه، ودفع عَنْ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾] (٢).
وأخرج النسائي في "الكبرى" بإسناد على شرط الشيخين عن عروة، عن عمرو بن العاص أنه سُئِل: ما أشدُّ ما رأيتَ قريشًا بلغوا من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: [مَرَّ بهم ذاتَ يوم فقالوا له: أنت تنهانا أن نعبدَ ما يعبُدُ آباؤنا؟ فقال: "أنا ذاك". فقاموا إليه، فأخذوا بمجامع ثيابه، فرأيت أبا بكر مُحتضِنَهُ من وَرَائهِ، وهو يصيح بأعلى صوته، وإنَّ عينيه

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (٤٣٤٤) - كتاب الملاحم - باب الأمر والنهي. ورواه ابن ماجة (٤٠١١) - كتاب الفتن. انظر صحيح أبي داود (٣٦٥٠).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٨١٥) - كتاب التفسير - عند هذه الآية من سورة المؤمن.
وأخرجه كذلك برقم (٣٦٧٨)، (٣٨٥٦). ورواه أحمد (٢/ ٢٠٤)، وا بن حبان (٦٥٦٧).


الصفحة التالية
Icon