قلت: وكل ما سبق محتمل يدل على وجوه الإعجاز الكثيرة لهذا القرآن العظيم، ويفيد أن المعنى قَسَمٌ من اللَّه عز وجل، الذي يقسم بما شاء من خلقه، وهو دليل على عظمته.
وقوله تعالى: ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾. فيه أكثر من تأويل:
التأويل الأول: بمنازل القرآن. قال ابن عباس: (نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين بعد. قال: وتلا ابن عباس هذه الآية: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ قال: نزل متفرّقًا).
وقال عكرمة: (إن القرآن نزل جميعًا، فوضع بمواقع النجوم، فجعل جبريل يأتي بالسورة، وإنما نزل جميعًا في ليلة القدر). وعن مجاهد: (﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ قال: هو محكم القرآن).
التأويل الثاني: مواقع النجوم: مساقطها ومغاربها. قال مجاهد: (﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾: قال: في السماء، ويقال مطالعها ومساقطها). وقال قتادة: (﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾: أي مساقطها).
التأويل الثالث: مواقع النجوم: منازلها. قاله عطاء بن أبي رباح.
التأويل الرابع: مواقع النجوم: انتثارها وانكدارها. قال الحسن: (انكدارها وانتثارها يوم القيامة).
التأويل الخامس: هي الأنواء المعروفة في الجاهلية. قال الضحاك: (هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون إذا مُطِروا قالوا مُطِرنا بِنَوْء كذا).
قلت: الراجح أن المراد مساقط النجوم ومغايبها في السماء، يدل على ذلك لفظ ﴿بِمَوَاقِعِ﴾ وهو جمع موقع، والموقع المفعل: من وقع يقع موقعًا وهو اختيار شيخ المفسرين الإمام ابن جرير رحمه اللَّه.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾. قال ابن كثير: (أي: وإن هذا القسم الذي أقسمتُ به لقَسَمٌ عظيمٌ، لو تعلمونَ عظمَتَه لَعَظَّمْتُم المُقسم به عليه).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾. قيل: إن الهاء تعود على القرآن، أي إن القرآن لقسم عظيم، قاله ابن عباس وغيره. وقيل: ما أقسم اللَّه به عظيم ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ ذكر المقسم عليه. قال القرطبي: (أي أقسم بمواقع النجوم إن هذا القرآن قرآن كريم، ليس


الصفحة التالية
Icon