يُرْفَعُ إليه عَمَلُ الليل قبل عملِ النهار، وعملُ النهارِ قَبْلَ عَمَلِ الليل، حجابه النور، لو كشَفَهُ لأحرقت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خَلْقِه] (١).
وقوله: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾. أي: بصفاته: بسمعه وبصره وعلمه. ويؤكد ذلك آخر الآية: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ففيه تفسير صفة المعية. قال ابن كثير: (أي: رقيبٌ عليكم، شهيدٌ على أعمالكم حيث أنتم، وأين كنتُم، من برّ أو بحر، في ليلٍ أو نَهار، في البيوت أو القِفار، الجميعُ في علمه على السَّواء، وتحت بصره وسَمْعِه، فيَسْمَعُ كلامَكُم، ويرى مكانكم، ويعلم سرَّكم ونجواكم، كما قال: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [هود: ٥]. وقال: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾ [الرعد: ١٠]. فلا إله غيره ولا ربَّ سواه).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: ٤٠]. معية الرعاية والنصر والتأييد.
٢ - وقال تعالى: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ [الشعراء: ١٥]. معية العلم والاطلاع.
٣ - وقال تعالى: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦]. معية صفتي السمع والبصر.
٤ - وقال تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة: ٧]. قال الإمام البغوي الشافعي: (أي إلا هو رابعهم بالعلم).
وفي صحيح مسلم من حديث عمر -لما سأل جبريل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الإحسان- قال: [أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك] (٢).
وقوله تعالى: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾. تأكيد لما سبق، فله سبحانه سلطان السماوات والأرض وما فيهن، وأمره تعالى نافذ بهن، وإليه مصير أمور جميع خلقه، وإليه مآلهم وحسابهم وثوابهم وعقابهم.
وقوله: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾. أي: يدخل هذا في هذا، ويطيل

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٧٩) - كتاب الإيمان. وفي لفظ: "حجابه النار".
(٢) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم (٨) - كتاب الإيمان، وكذلك (٩) - من حديث أبي هريرة.


الصفحة التالية
Icon