أسلمنا إذ لم يكن يحسنون أن يعبروا بمصطلحات الإسلام، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ويظن أنهم يخدعونه بقولهم صبأنا. فكان بين خالد وعبد الرحمن كلامٌ وشرٌّ في ذلك، فبلغ ذلك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأنَّبَ خالدًا بعدما تبرأ من فعله بقوله -كما روى البخاري عن سالم عن أبيه-: [اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالدٌ مرتين] (١). ولكنه لم يعزله ولم يعاقبه إذ كان متأولًا.
وقوله: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾. قال قتادة: (الجنة). ونصب "كُلًّا" على إيقاع الفعل عليه، والتقدير: (وعد اللَّه كلًا الحسنى). يعني المنفقين قبل الفتح وبعده، وإن كانوا يتفاوتون في الثواب.
وفي التنزيل: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٥].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّه من المؤمن الضعيف، وفي كل خير] (٢). فعطف بمدح الآخر حتى لا يظن ظان أنه مذموم، وإنما سبقه الأول بالعمل والثواب والتفضيل.
وفي سنن النسائي وصحيح ابن حبان بسند حسن من حديث أبي ذر، وأبي هريرة مرفوعًا: [سَبَقَ درهمٌ مئة ألف دِرهم: رجلٌ له دِرْهمَان أخذَ أحدَهما فتصدَّق به، ورجلٌ له مالٌ كثير فأخذ منْ عُرضِه مئة ألف فتصدّق بها] (٣).
وقوله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾. قال ابن كثير: (أي: فلخِبْرَتِه فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذاكَ إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجَهْدِ والقلة والضيق).
وقوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾. قال زيد بن أسلم: (هو النفقة على الأهل). وقال عمر بن الخطاب: (هو الإنفاق في سبيل اللَّه). والآية عامة في كل إنفاق
(٢) حديث صحيح. رواه مسلم (٢٦٦٤)، وأحمد (٢/ ٣٦٦)، وابن ماجة (٧٩)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (٦٢٣)، (٦٢٤)، وابن حبان (٥٧٢١)، (٥٧٢٢)، وغيرهم.
(٣) حديث حسن، أخرجه النسائي (٥/ ٥٩)، وابن خزيمة (٢٤٤٣)، ورواه ابن حبان (٣٣٤٧).