خالص لوجه اللَّه في أيّ وجه من وجوه البر والخيرات. والعرب تقول لكل من فعل فعلًا حسنًا: قد أقرض، وسمي القرض قرضًا، لأن القرض أخرج لاسترداد البدل. والبدل هنا الأضعاف الكثيرة، كما قال تعالى: ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ أي: ما بين السبع إلى سبع مئة إلى ما شاء اللَّه من الأضعاف. قال القشيري: (والقرض الحسن أن يكون المتصدق صادق النية طيب النفس، يبتغي به وجه اللَّه دون الرياء والسُّمعة، وأن يكون من الحلال).
ومن كنوز السنة العطرة في ذلك أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: [جاء رجلٌ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! أيُّ الصَّدقةِ أعْظَمُ أجْرًا؟ قال: أنْ تَصَدَّق وأنت صحيح شحيحٌ تَخْشى الفَقْرَ، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحُلقوم، قُلْتَ: لفلانٍ كذا ولِفلانٍ كذا، وقد كان لفلان] (١).
الحديث الثاني: أخرج أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم بسند صحيح عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك: [أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه! إنّ لفلان نخلة، وأنا أقيم نخلي بها، فمره أن يعطيني إياها حتى أقيم حائطي بها. فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعطها إياه بنخلة في الجنة". فأبى، وأتاه أبو الدحداح فقال: بِعْني نَخْلَكَ بِحائطي. قال: ففعل. قال: فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! إني قد ابتعتُ النخلة بحائطي، فاجعلها له، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كم من عَذْق دَوّاح لأبي الدحداح في الجنة" - مرارًا. فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح! اخرجي من الحائط، فإني بعته بنخلة في الجنة. فقالت: قد ربحت البيع. أو كلمة نحوها] (٢).
والعَذْق: النخلة. والدوّاح: العظيم الشديد العلو، وكل شجرة عظيمة: دوحة. وفي رواية للحديث عند ابن سعد من حديث عبد اللَّه بن مسعود بلفظ: [ربَّ عَذْقٍ مُذَلّلٍ لابن الدَّحداحة في الجنة].
وفي رواية لمسلم عن جابر بن سمرة قال: [صَلّى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ابن الدَّحْداح،
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٣/ ١٤٦)، وابن حبان (٢٢٧١ - موارد)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٢٢/ ٣٠٠/ ٧٦٣)، والحاكم (٢/ ٢٠) بإسناد صحيح على شرط مسلم. وانظر لرواية ابن سعد: "صحيح الجامع" (٣٤٨٤). ولرواية مسلم: صحيح مسلم (٩٦٥) - كتاب الجنائز.